مقالات

غزوة أحد – الجزء الأول

 

بقلم/زبيدة الخشت

 

في صباح {{ يوم السبت ٧ شوال من السنةالثالثة للهجرة }}أصبح الجيشان يرى بعضهم البعض، وقد وقف عليه الصلاة و السلام يحث المسلمين على الجهاد، والصبر على قتال المشركين،ويبث فيهم الحماسة ويدعو الله أن ينصرهم ويَعد المسلمين بالجزاءالعظيم يوم القيامة.

وفي الجانب الآخر كان أبو سفيان يحاول تعبئة جيش قريش، وقال لحملة اللواء من بني {{ عبد الدار}} : يا بني عبد الدار ! قد وُليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، فإما أن تكفونا لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه‏،، ونجح أبو سفيان في استفزاز بني عبد الدار وإثارة حميّتهم، لأن سقوط اللواء يعني خسارة المعركة.

وحاول أبو سفيان أيضاً أن يعمل فتنة في صفوف المسلمين، فاقترب من جيش المسلمين ونادى : يا معشر الأوس والخزرج، خلوا بيننا وبين بني عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا بقتالكم، فقام الصحابةمن الأنصار وردّوا عليه كلامه،وقامت نساء قريش بدورهن في تحريض رجالهنّ على قتال المسلمين، وكانت تقودهن {{ هند بنت عتبة }}، فأخذن يتجولن بين الصفوف، وهن يضربن الدفوف، وينشدن الشعر ،تقول هند :

نحن بنات طارق ( تقصد النّجم، لعُلو مكانتهن ومكانة آبائهن ) .

نمشي على النمارق ( وسائد فارهة للاتّكاء عليها ) .

مشي القطا النواتق ( القطا : طائر صغير بحجم الحمام يعيش في الصحراء ، والنواتق :مدح للمرأة أنها كثيرة الولادة ) .

والمسك في المفارق ( عطر طيّب تشم رائحته في مفارق الشعر ) .

والدرّ في المخانق ( يتزيّنّ بالحُلي والجواهر على الرقاب ) .

إن تقبلوا نعانق ( إن تقبلوا على قتال العدو، فنحن لكم معانقون)

أو تدبروا نفارق ( إن تهربوا وتنهزموا عن لقاء العدو، فسنفارقكم ) .

أصبحت المعركة على الأبواب، وكان أول وقودها رجل من بني عبدالدار اسمه{طلحةبن أبي طلحة} يحمل لواء المشركين ، خرج يدعو إلى المبارزة وهو راكب على جمله ، وهو من أقوى فرسان قريش وقال : من يبارز ؟؟؟ فخرج إليه الرجل الشجاع الطويل القوي {{ الزبير بن العوام حواري رسول الله : بمعنى ناصري وخاصتي من أصحابي }} وكان يمشي على قدميه، فوثب الزبير من الأرض وثبة واحدة فجلس معه على بعيره، وقتله، فكبّر النبي، و كبّر المسلمون، وبدأ القتال بين الفريقين، واشتعلت نيران المعركةفي كل نقطة من ميدان القتال .

اخترق المسلمون جنود المشركين كالسيل، وقاتلوا المشركين بكل قوة وضراوة وشراسة ،وكان ثقل المعركة في أولها ويدورحول لواء المشركين، والذي كان يحمله {{ بنو عبد الدار }}فبعد قتل قائدهم طلحة بن أبي طلحة في المبارزة، سقط اللواء، فحمله أخوه{{عثمان بن أبي طلحة}}فجاء إليه{{حمزة بن عبد المطلب }} وضربه ضربة بترت يده مع كتفه، فرجع حمزةوهويقول : أنا ابن ساقي الحجيج[[ يعني أبوه عبد المطلب جد النبي كان يسقي الحجيج ]]، ثم رفع لواء قريش {{ أبو سعد بن أبي طلحة }} ، فأخذ {{ سعد بن أبي وقاص }} قوسه ورماه بسهم،فوقع السهم في حنجرته، فمات من فوره ، ثم رفع اللواء {{ مُسافع بن طلحة بن أبي طلحة }} فرماه {{ عاصم بن ثابت }} بسهم فقتله، ثم رفع اللواء {{ كِلاب بن طلحة بن أبي طلحة}} ، فانقض عليه {{ الزبير بن العوام }} وقاتله حتى قتله .

وهكذا حتى قُتل من بني عبد الدار عشرة مقاتلين، ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء،فتقدم غلام حبشي لهم اسمه {{ صواب }}، فقاتل عن اللواء حتى قتل،وهكذاسقط لواءالمشركين على الأرض منذ بداية المعركة، ولم يبق أحد يحمله، فبقي ساقطاً، واستبشر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بسقوط اللواء ، بينما انهارت معنويات جيش قريش، وتفرقوا في كتائب متباعدة .

كان من أبرز المقاتلين في ذلك اليوم الفارس القوي {أبو دجانة الأنصاري}..

قبل بدء المعركة أمسك النبي صلى الله عليه وسلم بسيف وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟؟ فقام إليه أبو دجانة وقال : وما حقه يا رسول الله ‏؟‏قال ‏:‏ ‏أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني [[ ينطعج ]]، فقال‏:‏ أنا آخذه بحقه يارسول الله،فأعطاه إياه.

فلما بدأت المعركة، يقول الزبير بن العوام – وكان يراقب ماسيفعله أبو دجانة بالسيف الذي منعه النبي عنه وعن الصحابة وأعطاه فقط لأبي دجانة – يقول : أخرج أبو دجانة عصابة حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت [[ أهل المدينةيعرفون أبا دجانة إذا أراد أن يبلي بلاءً حسناً في الحرب – وقد خاضوا حروباً قبل الإسلام – فكان يعصب رأسه عصابة حمراء ]] .

وقد ورد في بعض الروايات أن أبا دجانة أخذ يمشي على رؤوس أصابع قدميه، وهو يتبختر بين الصفوف ويهز سيف النبي في يده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنها لمشيةٌ يبغضها الله ورسوله، إلّا في هذا الموطن ” . يقول الزبير : لقد أبلى أبو دجانة بلاءً حسناً، فكان يهد الناس في سيفه هداً كأن السيف في يده منجل يحصد به قريش حصداً،

ويقصّهم فيه قصّاً، وكان يُنشدقائلاً : أنا الذي عاهدني خليلي

ونحن بالسفح لدى النخيل

ألا أقوم الدهر في الكيول

أضرب بسيف الله والرسول

[[ الكيول : هي آخر الصفوف ]] ،

ثم أمعن في الصفوف، فإذا هي هند بنت عتبة تحمّس الجيش، وتحاول أن تجهز على جرحى المسلمين، فلما حمل عليها السيف قالت : يا ويلاه !! وصرخت تستغيث، فلم يجبها أحد ؛ فكره أن يَقتل بسيف رسول الله امرأة لاناصر لها،فانصرف عنها [[ هل سمع ذلك دعاة حقوق الإنسان ومكارم الأخلاق، نحن أصحاب مكارم الأخلاق، وحقوق الإنسان منذ بزغ فينا نور الإسلام، والحمد لله ]] .

هؤلاء هم رجال الله الذين قال الله عنهم :{{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }} .

_______________

وإلى اللقاء مع الجزء الثاني من غزوة أحد بإذن الله تعالى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى