معركة أحد- الجزء الثاني

بقلم/زبيدة الخشت
استشهاد حمزة رضي الله عنه ، ومخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم
كان أبرز أبطال غزوة أحد(حمزة بن عبد المطلب ) أسد الله وأسد رسوله عم رسول الله، و أخوه في الرضاعة، والذي اندفع في قلب جيش المشركين بشجاعة واستبسال، وكان حمزة رضي الله عنه هو المستهدف الثاني بالقتل بعد الرسول، وقد اختارت قريش قبل خروجها الرجل الذي وكلوا إليه أمرحمزة وهو وحشي الحبشي صاحب المهارة الخارقة في قذف الحربة، وجعلوا كل دوره في المعركةأن يقتل حمزة، ووعده سيده جبير بن مطعم أن يعتقه،ووعدته هندبالذهب والمال.
ويروي لنا وحشي – وقد أسلم لاحقًا – كان حمزة لا يمر من أمامه عدو إلا قطع رأسه بسيفه، وكان يضرب يمينًاوشمالًا، وأنا أرقبه، فأخذت أهرب منه حتى اختبأت خلف شجرة وكانت معي حربتي، حتى إذا استمكنت منه، هززت حربتي حتى رضيت عنها، فأرسلتها، فوقعت في بطنه وخرجت من ظهره ،فقام متجهًا نحوي فلم يستطع، فلما مات، أتيته وأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق .
وعندما روى ذلك للنبي عليه الصلاة و السلام بعد أن أسلم، قال له النبي : ويحك، غيّب عني وجهك فلا أرينّك! فكنت أبتعد بوجهي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لئلا يراني، حتى قبضه الله .
وظل وحشي نادمًا طوال حياته على قتله لحمزة ؛ فلما كانت حروب الردة، اشترك فيها وقتل مسيلمة الكذاب ، فقال وحشي : ” قتلت خير الناس وشر الناس ” .
استشهد حمزة – رضي الله عنه – ، إلا أن المسلمين ظلّوا مسيطرين على المعركة، ومتفوقين على جيش مكة، وقدقامت الكتيبةالتي عينها الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة بدورها المطلوب منها في صد هجوم الفرسان، حيث حاولت كتيبة فرسان قريش بقيادة خالد بن الوليد أن تتسلل إلى ظهر المسلمين، ولكن فريق الرماة كانوا يرمونهم بالسهام في كل مرة حتى فشلت هجماتهم .
أصبحت المعركة واضحة، و سيناريو بدر يتكرر ، والمسلمون الآن مقبلون على نصر ساحق آخرعلى قريش، لا يقل روعة عن نصر بدر ، وأخذت صفوف قريش تتراجع وتنسحب بعد أن سقط لواؤهم .
يقول الزبير بن عوام رضي الله عنه : وإني لأنظر إلى هند بنت عتبة،ونساء سادة قريش يجرين مشمرات، وما هو إلا قليل و نمسكهنّ سبايا .
بدأ المسلمون يتتبعون المشركين، يقتلونهم ويجمعون الغنائم، واستطاع المسلمون مع قلة عددهم أن يهزموا ال ٣٠٠٠ آلاف مقاتل .
وهنا وقع الرماة في خطأ كبير جدًا، لم يكن في الحسبان ، وقلب الوضع تمامًا، فقد قلنا إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أصدر أوامر مشددة، وكرر الأمر أكثر من مرة للرماة بعدم ترك أماكنهم تحت أي ظرف، حيث قال لهم : [[ إن رأيتمونا هزمنا القوم فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ]]،
لكن نصر المسلمين جعل الرماة يطيشون فرحًا، وقالوا : نشارك إخواننا في جمع الغنائم، ولكن قائدهم{{ عبدالله بن جبير }} ذكّرهم بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم ترك أماكنهم، فصاح بهم وقال : اتقوا الله، واتقوا وصية رسول الله، ولكن لم يستجب لعبد الله بن جبير غير قلة قليلة فقط، بينما ترك الأغلبية مواقعهم من الجبل، ونزلوا إلى أرض المعركة ليشاركوا بقية الجيش في جمع الغنائم .
فلما نزل الرماة وتركوا أماكنهم، شاهد (( خالد بن الوليد )) ذلك، وكان لا يزال على فرسه في أرض المعركة، فانتهز الفرصة، وأخذ قراره السريع، فهاجم بكتيبته من بقي من الرماة ؛ فقتلهم جميعًا مع أميرهم “عبدالله بن جبير ” ، ودار بفرسانه خلف جبل الرماة، وأحاط بالمسلمين وانقض عليهم من خلفهم .
ثم أخذ فرسان المشركين ينادون بقية الجيش : يا للعزى!! يا للعزى !! وشعر المشركون المنهزمون بالتطور الجديد، فقاموا بهجوم مضاد ضد المسلمين، وهكذا أحاطوا بالمسلمين من الأمام والخلف ، ووقع المسلمون بين شقي رحى، وجاءت امرأة من المشركين فرفعت لواء قريش من التراب مرة أخرى، فلما رفعته تجمع جيش قريش مرة أخرى حول لوائهم، وكان المسلمون في هذه اللحظات يجمعون الغنائم ويجرون خلف قريش، فجاءهم خالد من الوراء ووضع السيف فيهم ؛ فذهلوا [ لأن الذي يجمع الغنائم ويمسك الأسرى، ويوثقهم بالحبال يكون قد أغمد سيفه ]، فألقوا ما بأيديهم من غنائم وشرعوا السيوف مرة أخرى، ولكن هيهات ؛؛ فقد تفرقت صفوف المسلمين .
هنا أصبح القتال في ساحة المعركة في مكانين، {{ المكان الأول }} جيش المسلمين المحاصرين أمام جبل أحد من الأمام ومن الخلف، وقد سادت الفوضى فيه والارتباك والاضطراب، حتى تاهوا وسط المشركين، وأخذ بعض المسلمين يضربون بعضهم بعضًا بلا وعي، يظنونهم من قريش .
وفي وسط هذا الارتباك، حصل هذا الموقف فقد كان هناك صحابي اسمه {{ اليمان ” حسيل بن جابر العبسي ” }}، وهو والد الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، وهو شيخ كبير في العمر، لحق بجيش المسلمين لتوّه قادمًا من المدينة، فدخل في المعركة من جهة المشركين، وأحاط المسلمون باليمان يقاتلونه، وهم يعتقدون أنه من المشركين فصاح بهم ابنه حذيفة : أي عباد الله، أبي أبي، إنه أبي [[ يقول للصحابة لا تقتلوه، فهو ليس من قريش !! إنه أبي ! ]] ولكنهم لم يسمعوه وقتلوه . فلما علم المسلمون أن الذي قتلوه والد حذيفة بن اليمان، حزنوا حزنًا كبيرًا، فقال لهم حذيفة : يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين .
ثم انطلق بسيفه واستكمل القتال ، وهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد المعركة أن يدفع له الدية، فأبى حذيفة أن يأخذها ، وجعلها صدقة على من قتله من المسلمين .
لذا كان حذيفة من خيارالصحابة وصاحب سِر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،إذ أنّ النّبي أسرّ له يومًا بأسماء جميع المنافقين في المدينة المنوّرة، ولم يسرّها إلى أحدٍ من صحابته، فسمّي حذيفة لذلك صاحب سر رسول الله ، وقد بقي حذيفة محافظًا على هذا السّرّ ، حتّى توفي رضي الله عنه وأرضاه . وقد ألحّ عمر يومًا عليه بقوله : أنشدك الله أذكرني رسول الله في المنافقين؟ ولما رأى حذيفة حرصه وخشي عليه قال له، لا، ولن أقولها لأحدٍ من بعدك .
سبحان الله ! إذا كان خليفة المسلمين يخاف على نفسه من النفاق ؟ فماذا نقول نحن عن حالنا ؟
_____________
وإلى اللقاء وجزء جديد جديد بإذن الله تعالى .