مقالات

غزوة أحد – الجزء الثالث

 

بقلم/ زبيدة الخشت

 

-استبسال الصحابة في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ) :

ذكرنا في الجزء السابق أن المسلمين حُوصروا في مكانين، أما المكان الأول فقد كان بين جبل أحد والمشركين ، وأمّا المكان الثاني الذي تركّز فيه القتال فقد كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الآن قد بلغ من العمر { سبعة وخمسين عامًا }، و المعركة الآن انقلبت موازينها لصالح قريش، وانكشف المسلمون ودخلهم الرعب، وأوجع المشركون فيهم القتل الشديد، حتى وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطمعوا في القضاء عليه وقتله.

وفي هذا الموقف الشديد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم كالجبل الأشم، يدفع جموع المشركين المحيطين به من كل ناحية،وهويقول للمسلمين إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، فاجتمع إليه نحو ثلاثين رجلًا من أصحابه، فدافعوا عنه بأجسادهم وأرواحهم، في صور رائعة من الحب والتضحية، إذ قام [[ أبو طلحة ]] رضي الله عنه يُسوِّر نفسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو، ويقول : “نحري دون نحرك يا رسول الله”، حتى أثخنته الجراح ، أمّا [[ أبو دجانة ]] رضي الله عنه، فقد كان يحمي ظهره صلى الله عليه وسلم والسهام تقع عليه ولا يتحرك، يقول الراوي : حتى أصبح ظهر أبي دجانة مثل القنفذ (دويبة ذات أشواك )من كثرة السهام، فكان كلما نزل في ظهره سهم تألم فقال : آه … آه ، وكلما قال آه ينظر في عيني النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : ( ما أطيبها فيك يا رسول الله !! ) .

أمّا [[ طلحة بن عبيد الله ]] أحد المبشّرين بالجنّة ؛ فقد وقى رسول الله بيده حتى أصابها الشلل، وكان أيضًا يجعل من نفسه سلَّمَاً للنبي صلى الله عليه وسلم يصعد عليه ليرتقي إلى صخرة بالجبل ليحميه من المشركين ، فقال له عليه الصلاة و السلام : ( أوجَب طَلحةُ ) أي : وجبت له الجنة .

ورغم استبسال الصحابة رضوان الله عليهم في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن بعض المشركين وصلوا إلى رسول الله، وجرحوه جراحات عديدة، إذ رماه “عتبة بن أبي وقاص ” بالحجارة فكسر رباعيته، وجرح شفته السفلى، وتقدم عبد الله بن شهاب الزهري إليه فشجّه في جبهته، وضربه عبد الله بن قمئة على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة، شكى لأجلها أكثر من شهر، ثم ضُرب على وجنته صلى الله عليه وسلم ضربة أخرى عنيفة كالأولى، حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر(زرد من الدرع يُلبس تحت القلمسوة) في وجنته، وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم إصابات عديدة .

عن أنس رضى الله عنه: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رَباعيتُه يوم أُحُدٍ، وشُجَّ رأسه، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: كيف يُفلحُ قوم شجّوا نبيّهم، وكسروا رباعيته [[ السن التي تلي الثنية من كل جانب ]] وهو يدعوهم إلى الله؟!فأنزل الله عز وجلّ قوله: (( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ )) .

ومن الذين استبسلوا في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد [[ أم عمارة : نسيبة بنت كعب الأنصارية ]] ، وكانت تحمل الماء للمجاهدين، ولكنها حين رأت المسلمين ينهزمون، حملت سيفًا واقتربت من الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت تدفع عنه الأذىبالسيف والقوس هي وابناها عبدالله وحبيب وزوجها زيد بن عاصم، وقد أصابها ” ابن قمئة ” في كتفها، فأزال كتفها عن موضعه، بعد أن وجّهت له عدة ضربات بسيفها ، ولم تمت أم عمارة في أحد، وعاشت رضي الله عنها وشهدت حروب الردة، وكانت ممن أسهم في قتل مسليمة الكذاب .

وفي غزوة أحد أبلى [[ سعد بن أبي وقّاص ]] بلاء” حسنًا أيضًا، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يناوله السهام، ويرمي بها الأعداء ويقول: ارم سعد فداك أبي وأمي، وقد كان ماهرًا في رميه، دقيقًا في إصابته .

أمّا [[ عليّ بن أبي طالب ]] رضي الله عنه؛ فقد حمل لواء المسلمين في الغزوة بعد استشهاد مُصعب بن عُمير رضي الله عنه وأُصِيب بعدّة ضربات وهو يدافع عن الرسول في نهاية الغزوة رضي الله عنهم جميعاً .

أرأيتم شجاعة واستبسال نبينا وأصحابه في سبيل الدّفاع عن دين الله كي يصل إلينا ، ونحن نضيّعه على أهون الأسباب ،فلا حول ولاقوّة إلّابالله ؟؟ .

______________

وإلى اللقاء وجزء جديد بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى