غزوة أحد – الجزء الخامس

بقلم /زْبَيدِة الُِخـشت
استطاع جيش المسلمين أن يشق طريقه إلى شِعب الجبل، واستقر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الشعب، و حاول أبو سفيان وخالد بن الوليد ومن معهما من جنود قريش أن يصعدوا الجبل، فأخذ سعد يرميهم بالسهام، وانطلق إليهم عمربن الخطاب ومعه مجموعة من المسلمين حتى أهبطوهم من الجبل .
رجع المشركون إلى معسكرهم لاعتقادهم أنهم قد حققوا هدفهم، وبدؤوا يستعدون للعودة إلى مكة، واشتغل رجالهم ونساؤهم بالتمثيل بقتلى المسلمين .
وفي هذه الأثناء ألقى الله النعاس على الصحابة رحمة بهم، وحتى لا يروا ما تصنعه قريش بتشويه أجساد الشهداء، فتأخذهم الحمية فيجددوا المعركة من جديد، وهم الآن مثقلون بالجراح، والنتيجة ستكون غير محمودة العُقبى . النعاس : الفتور أوائل النوم،وليس نومًا ثقيلًا ولو كان ثقيلاً لهاجمهم المشركون . [[ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم من بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ]] .
لقد فعلتْ قريش في أحد العجب العجاب، فعلوا أشياء لم تعرفها العرب من قبل، فقد أخذوا يتفقدون شهداء المسلمين، وما وقفوا على جثة شهيد من المسلمين إلا ومثلوا بها [[ التمثيل أي تشويه الجثث ]]، فجاءت هندبنت عتبةإلى جثة حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي قتله وحشي بحربته، حيث دلها وحشي على مكانه، فقالت له : [[شق بطنه وأخرج كبده لتشفي غليلها وحقدها منه]]، وحاولت أن تمضغها وتبتلعها، فلم تستطع ،ولم يكفها ذلك فقطعت أٌذنَ حمزة وأنفه، وأنوف وآذان عدد من كبار الشهداء كمصعب بن عميروعبدالله بن جحش،وغيرهم وجعلت منها قلادة في عنقها لتدخل بها مكة مفتخرة بالنصر .
ولم يكن أبو سفيان أحسن حالًا من زوجته هند، فقد أخذ حربته وعكسها فجعل كعبها في الأرض، وأخذ يدق فيها فك حمزةويقول له[[ذق عقق]] يعني : ذق القتل يا عاق قومه، كما قتلت يوم بدر من قومك [[يعني كفار قريش ]] فرآهُ سيد الأحابيش ( حليس ) وقال له : ما رأيت اليوم أعجب من سيد بني كنانة وسيد قريش يفعل هذا بابن عمه لحماً ؟!!![[ يعني جسد قد مات ولايستطيع أن يدافع عن نفسه وانت تستقوي عليه ]] ،فقال له أبو سفيان : ويحك لا ترفع صوتك، اكتمها عني فقد كانت زلة [[ لأن هذا التصرف مشين وعيب، لا يفعله إلا الجبناء ]] ، وأخذ باقي جيش قريش أيضاً يقطعون الآذان والأنوف ، ويشقون البطون، ويمثّلون بالشهداء .
بعد ذلك تهيأ المشركون للانصراف، وكانوا يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قُتِلَ، فأراد أبو سفيان أن يستوثق من الأمر،فاقترب من الجبل ومعه مجموعة من المشركين ونادى : أفيكم محمد ؟ أفيكم ابن أبي قحافة[[أي أبوبكر]]؟ أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجبه أحد ، فاعتقد أبو سفيان أنهم قد قتلوا ؛ فصاح في سعادة وفرح : لقد انتصرنا،لأن نهاية هؤلاء تعني نهاية الدّين .
وهنا لنا وقفة؛فقريش خرجت بجيشها لهدف واحد من البداية، وهو كما قلنا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتصارها يعني تحقيق هدفها، هم صحيح أصابوا من المسلمين، ولكنهم لم ينتصروا على الإطلاق، والنصر عند العرب قديمًا كان يعتمد على بقاء المنتصر في موقع المعركة ثلاثة أيام دليلًا على سيطرته، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقدذكرتها لكم،ولكن قريشًا انسحبت في نفس الساعة ورجعت إلى مكة، فشروط النصر جميعها لم تتحقق لقريش،لذلك لانقول هزيمة المسلمين في أحد،بل إصابة المسلمين في أحد وهذا هو التعبير الأدق .
وللأسف أتألم عندما أقرأ بعض كتب السيرة ،وأسمع بعض الدعاة يقولون هزيمة المسلمين في أحد !!! .
ثم صاح عمر بأبي سفيان : يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوؤك .
ثم قال أبو سفيان :اعل هُبَل. فقال المسلمون ما أخبرهم به النبي : الله أعلى وأجل .
ثم قال : لنا العُزَّى ولا عزى لكم . فقال المسلمون : الله مولانا، ولا مولى لكم .
ثم قال :يوم أحد بيوم بدر ، والحرب سجَال .
فقال المسلمون : لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار . ثم قال أبو سفيان : هلِمَ إلياّ يا عمر بن الخطاب فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب فانظر ما شأنه ؟ فقال له أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا مُحَمدًا ؟ قال عمر: اللهم لا، وإنه ليستمع كلامك الآن،فقال أبو سفيان : أنتَ أصدق عندي من ابن قمئة، [[ لأن ابن قمئة هوالذي أشاع قتل رسول الله ]] .
وقبل أن ينصرف أبو سفيان ومن معه، نادى : إنٌ موعدكم بدر العام القابل [[ وهذا ما أشرت إليه ، فقد طلب أبو سفيان مواجهة ثانية ليحقق النصر الذي لم يحققه في أحد ، لذلك قلت لكم لا نقول هزيمة المسلمين في أحد ]] ، فقال رسول الله لرجل من أصحابه : قل له : نعم، هو بيننا وبينك موعد .فلما ولّت قريش ورجعت أدبارها، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب، وقال له : اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ؟ وما يريدون ؟ فإن كانوا قد جنبُوا الخيل، وامتطُوا الإبل، فإنهم يريدون مكة .
[[ يعني إذا ركبوا على الجِمال فهذا يعني أنهم راجعون إلى مكة، لأن النبي خشي أن ترجع قريش وتدخل المدينة، وفيها النساءوالأطفال، وفي المدينة يهود ومنافقون، سيجدونها فرصة لينقلبوا على المسلمين،ويقفوا مع قريش ]]، وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة،فقال علي : فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل((أي سارت الخيل إلى جانبهم)) وامتطوا الإبل، وتوجهوا إلى مكة .ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتفقد القتلى والجرحى، وهنا كانت المصيبة العظمى . . .
———————–
وإلى اللقاء وجزء جديد بإذن الله تعالى.