يعد غاز أول أكسيد الكربون ، الملوث الأكثر إنتشاراً و الغاز المسبب لإنخفاض جودة الهواء فى البيئة ، و أينما وجد النشاط الإنساني فإن غاز أول أكسيد الكربون يعتبر ملوثاً رئيسياً نمطياً دائم الإرتباط بالمناطق الصناعية و الحضرية على حد السواء، ففي العديد من الدراسات الحديثة التى قامت بها الوكالة الأمريكية لحماية البيئة (EPA)، أتضح أن السيارات و الطائرات و السفن تشكل المصدر الرئيسي لإفساد جودة الهواء و تلويثه بأول أكسيد الكربون و أن مساهمتها تقترب من 70% من مجموع ما يحويه الهواء منه ، وأن البقية المنتجه تأتى بسبب تحلل الميثان فى التربة.
هنا يقدم لنا علم الكيمياء الحيوية، إنذاراً بالغ الخطورة لتواجد هذا الغاز بكثافة فى الهواء، حيث إن مقدار إتحاد أول أكسيد الكربون مع هيموجلوبين الدم تعادل من 200-260 مرة من قدرة إتحاد الأكسجين مع الهيموجلوبين، و هو ما يعنى منافسة أول أكسيد الكربون لأكسجين الشهيق منافسة فائقة فى الإتحاد بهيموجلوبين الدم، الأمر الذى ينتج عنه تكون مركب الكربوكسي هيموجلوبين الخانق و السام مما يؤدي فى الأخير إلى تثبيط وظيفى للهيموجلوبين و من ثم حدوث خلل فى أطراف الأوعية الدموية و المراكز المخية.
و بنظرة تاريخية و بالإثبات المعملى فوجد أن ، المركَبات بصفة عامة هى المسئولة عن أكثر من 63% من تلوث الهواء، و بنظرة على مجتمع الدول الصناعية الكبرى فنجد أن حرق الهيدروكربونات ( الوقود الأحفوري) يكون مسئولاً عن إنبعاث 30% من أول أكسيد الكربون و هو على رأس غازات القلق المحتمل المتسببة فى تلويث الهواء.
ففى مصر ، فى عام 1990 حسابياً يتصاعد بالهواء وزن ما يقرب نحو 80 ألف طن سنويا من أول أكسيد الكربون، أما الأن و مع زيادة أعداد السيارات و عدم إعطاء الأولوية للنقل الجماعي فيتصاعد حوالى 927 ألف طن سنويا من غاز أول أكسيد الكربون.
المصادر المنزلية لتصاعد غاز أول أكسيد الكربون
• الإحتراق غير التام للمواقد و كذلك التسريب من أنابيب البوتجاز أو المواقد و السخانات التى تعمل بالغاز الطبيعي
• الإحتراق غير التام بالكيروسين
• حرق الخشب أو الفحم من أجل التدفئة
• حرق قش الأرز و بقايا المحاصيل الزراعية
• المناطق الصناعية حيث لم يكن يراعى الاشتراطات البيئية و تقييم الأثر البيئي فى السابق للمشروعات السكنية
• التحلل الحراري لغاز ثاني أكسيد الكربون حيث ينتج غاز أول أكسيد الكربون فى المناطق الصناعية الحارة
مشكلات صحية ناتجة عن زيادة نسبة أول أكسيد الكربون في الجو
ليس فقط عرقلت تكوين الأوكسي هيموجلوبين و اللازم لتغذية الخلايا و الأنسجة بالأكسجين، هو الضرر الوحيد الناتج من زيادة نسبة أول اكسيد الكربون، بل هناك أيضا إعاقة لوظيفة الدم فى تبادل الغازات بالرئتين ، و ذلك بنقله من الأنسجة إلى الرئتين لإخراجه مع هواء الزفير ، هذا و تتضاعف الإعاقات السابقة لدى من يعانون من عدم انتظام الدورة الدموية الطرفية و بالتحديد أطراف الأوعية الدموية.
و من أعراض التسمم بأول أكسيد الكربون، الإجهاد الذهني و الخمول و الصداع و الرعشىة و الميل للتقيؤ و المستويات الأعلى المزمنة يظهر معها ضعف فى البصر و إنخفاض القدرة على التعلم حيث يصل مستوى أول أكسيد الكربون فى الهواء إلى 30 جزء فى المليون حينها تبدأ وظائف الجهاز العصبي في الإضطراب.
إنه من المؤسف جدا القول أن تركيز أول أكسيد الكربون فى هواء مواقف المواصلات فى ظروف الإزدحام يصل إلى 50-100 جزء من المليون و يتضاعف هذا التركيز فى حين تدخين سيجارة أو حيز مقهى لتدخين النرجيلة و ما يعرف بالفييب أو السجائر الإلكترونية.
مصر فى قمة البيئة لمؤتمر الأطراف (COP27) فى شرم الشيخ وضعت العالم المتقدم أمام مسئولياته و تعهداته و إلتزاماته السابقة التى لم تدخل حيز التنفيذ بعد، الأمر الذى قد يهدد كوكبنا بالفناء، ففى عام 2009 تعهدت الدول الصناعية الكبرى بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لتمويل التغيرات المناخيه بحلول عام 2020،و لم يتم الوفاء بهذا التعهد حتى يومنا هذا !. تطالب الدول الناميه و فى مقدمتها مصر، الدول المتقدمة بإحترام “تعهد جلاسجو” بمضاعفة تمويل التكيف مع التغيرات المناخية بحلول عام 2025، حتى تتمكن من إتخاذ تدابير وقائية للحد من هذه التغيرات و التى ألقت بظلالها بالفعل على الجميع فى كافة مناحي الحياة.
و في ضوء الإهتمام العالمي بقضايا المناخ و الحفاظ على البيئة و تماشياً مع أهداف التنمية المستدامه، تعمل كافة الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة على أهداف رئيسية من خلال إدماج تدابير التصدي للتغيرات المناخية مع خطط التنمية و برامج الإصلاح الإقتصادي بالدول المختلفة ، و يعد واحدا من أبرز المخرجات لمؤتمر الأطراف (COP27) ، و هو خفض الإنبعاثات الكربونية و تدابير التكيف و التخفيف من الاّثار الناجمة عن الأنشطة الصناعية الغير المسئولة كأحد مخرجات “تعهد جلاسجو” جنبا إلى جنب مع تقنين سريان المركبات الخاصة فى عواصم البلدان و المدن الكبرى و تشجيع ثقافة النقل الجماعى للحد من البصمة الكربونية و إنبعاث الغازات الدفيئة.