العرب والعالم

من اليمن إلى البحر الأحمر.. مواجهة مفتوحة بين إسرائيل والحوثيين

الهجوم على الحديدة.. ضربة عسكرية بأبعاد إنسانية واقتصادية

تقرير – رحمة عماد

مقدمة

في ظلّ تصاعد التوترات في البحر الأحمر وتداخل الصراع الإقليمي بين إسرائيل والحوثيين، شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة على ميناء الحديدة باليمن، مستهدفة ما وصفته بـ”البنية التحتية العسكرية” التابعة لجماعة الحوثي. ويأتي هذا التطور بعد سلسلة من الهجمات الحوثية على إسرائيل وممرات الملاحة الدولية، في وقتٍ يُنذر فيه التصعيد بتداعيات إنسانية واقتصادية خطيرة، قد تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من الساحة اليمنية.

دوافع الهجوم الإسرائيلي

كثف الحوثيون هجماتهم بالطائرات المسيرة والصواريخ في الآونة الأخيرة، داخل إسرائيل أو في البحر الأحمر، إلى جانب اعتبار إسرائيل أن هذه الهجمات تهدد أمنها القومي وخطوطها البحرية.

وتجد إسرائيل أن إيران تستخدم ميناء الحديدة كمنفذ رئيسي لإمداد الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة، ويُعد الهجوم جزء من استراتيجية لقطع الدعم اللوجستي والعسكري القادمة من طهران. وفي السياق ذاته، يأتي السبب المُعلن كما كشفت إسرائيل هو إحكام الحصار الجوي والبحري على الحوثيين.

كما تأتي تلك الضربه كإشارة تحذير ورسالة غير مباشرة لإيران وحلفائها في المنطقة مثل “حزب الله”، وليس الحوثيين فقط، بأن إسرائيل قادرة على توسيع جبهة المواجهة، وضرب أهداف خارج حدودها.

ووجود هجمات وضربات على البحر الأحمر القادمة من الحوثيين تجاه السفن جعلت الشركات العالمية تقلص مرورها من باب المندب، فتعتبر إسرائيل الهجوم وسيلة لتأمين الملاحة الدولية وحماية مصالحها.

كما تريد إسرائيل كسب دعم غربي أكبر عبر تصوير الحوثيين كـ”تهديد مشترك” للملاحة العالمية، وبالتالي..أي تصعيد يمنح إسرائيل مساحة لتبرير عملياتها عسكريًا وسياسيًا أمام المجتمع الدولي.

النتائج والأبعاد الاستراتيجية والسياسية

إسرائيل قالت إنها مستمرة في فرض الحصار البحري والجوي؛ أي أن الهجوم ليس مجرد ضربة عابرة، بل جزء من إستراتيجية أوسع لقطع سُبل الدعم والقيود على الحركة العسكرية للحوثيين. 

وقد تؤدي العملية إلى تضرّر الشحن التجاري والمساعدات، وتعطيل دخول الغذاء والأدوية والوقود، مما يفاقم أزمة الغذاء والصحة، وخاصة أن ميناء الحديدة يعد واحد من المرافئ الأساسية التي تدخل عبرها المساعدات الإنسانية لليمن، خصوصًا في ظلّ حرب مستمرة منذ سنوات.

كما أصدرت منظمات حقوق الإنسان تحذير من أن استهداف البنية التحتية المدنية أو مزدوجة الاستخدام قد ينطوي على خروقات للقانون الدولي الإنساني. خاصة إذا كانت الهجمات غير متناسبة أو تستهدف مناطق يتواجد فيها مدنيون بكثافة. 

إحصائيات تكشف حجم الأزمة

وفقًا لمشروع بيانات اليمن (Yemen Data Project)، فإن الضربات الإسرائيلية على اليمن بدأت تُسجّل منذ يوليو 2024، وتتضمَّن مواقع داخل العاصمة ومناطق استراتيجية متعددة. 

وتقول الأمم المتحدة إن قدرة ميناء الحديدة على استقبال الواردات قد انخفضت إلى حوالي ربع القدرة الطبيعية بسبب تكرار الضربات على المرفأ وبنيته التحتية “خسائر في القوارب المساعدة، السحب والخدمات اللوجستية”. 

ويقدر عدد المدنيين الذين يحتاجون للمساعدات الإنسانية في اليمن بـحوالي 21.6 مليون نسمة، بينهم حوالي 11 مليون طفل. والنزوح الداخلي تجاوز 4.5 مليون شخص، ومنهم من يُجبَر على مغادرة مناطقهم بسبب القتال أو تعطل البنى الأساسية. 

آراء وتحليلات

بعض المحلّلين يرون أن الخطوة جزء من سياسة إسرائيلية تهدف لتمزيق شبكات الدعم التي تُزوّد الحوثيين، وربما لردع الولايات المتحدة أو إيران.

آخرون يرون أن هذه الضربات لن توقف بالضرورة الهجمات الصاروخية أو براجمات الصواريخ من الحوثيين، خصوصًا أن التنظيم يمتلك دفاعات جوية يمكن أن تشوّش على الهجمات الجوية.

من وجهة نظر يمنية إنسانية، هناك قلق من أن مثل هذه الضربات تُفاقم المعاناة، وتُضعف قدرة المرافق الحيوية على العمل، وتؤدي إلى كارثة إنسانية إن واصلت دون مراقبة دولية فعّالة.

من الناحية القانونية، يطرح البعض تساؤلات: هل تمّ تنسيق مع المنظمات الدولية؟ هل تمّ إعلان تحذير كافٍ وإخلاء للمدنيين؟ وهل الكلفة المدنية مقبولة بموجب مبادئ التناسب والتمييز في القانون الدولي؟

سيناريوهات التصعيد المحتمل

احتمال تصعيد من الطرفين: الحوثيون قد يردون بقصف بحري أو صواريخ على أهداف إسرائيلية، أو على السفن في البحر الأحمر.

تأثيرات على التجارة الدولية والمساعدات: تعطيل ميناء الحديدة يعني أن السلع الإنسانية والأساسية قد تواجه تأخيرات أو منع دخولها، الأمر الذي يرفع تكاليف المواد أو يؤدي لنقص.

ضغط دولي محتمل: الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية قد تطالب بتحقيقات أو فرض قيود على هذه العمليات إذا ثبت وجود انتهاكات.

إمكانية وساطة أو تدخل دولي لمنع تفاقم الأوضاع الإنسانية أو وقف إطلاق النار في المنطقة.

خاتمة

الهجوم على ميناء الحديدة يعكس مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة ردع جديدة ضد الحوثيين وإرسال رسائل إقليمية لإيران وحلفائها. غير أن استمرار الضربات على مرفق حيوي بهذا الحجم قد يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعرّض الملاحة الدولية لمزيد من الاضطراب. وبين الحسابات العسكرية والسياسية، يظل المدنيون هم الحلقة الأضعف، وهو ما قد يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لاحتواء التصعيد قبل أن يخرج عن السيطرة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى