دراسة نقدية عن قصة الرغبة والرهبة
دراسة نقدية
بقلم الدكتورة نجوى محمد
سلام
(الفراشة الحالمة)
____________
عن قصة الرغبة والرهبة
للكاتبة نجوى عبد العزيز او(شهرزاد نجوى عبدالعزيز)
_______________
الرمزية والدلالات الأخلاقية بين الخطيئة والإنسانية
قراءة نقدية إبداعية
في( سيف الرغبة والرهبة ) للقاصة المبدعة نجوى عبد العزيز.
إن المتأمل لأبجدية “سيف الرغبة والرهبة” يدرك منذ الوهلة الأولى أنها ليست مجرد قصة شيخ يكافح شهواته، بل هي قصة كل إنسان. الكاتبة تضعنا أمام سؤال أخلاقي كبير: ما مدى صدقنا مع أنفسنا؟ وهل نحن، كما ندّعي، أقوياء أمام إغراءات الحياة؟ الشيخ الجليل الذي يعترف بأنه ليس منافقًا بل إنسانًا، هو نحن جميعًا، بضعفنا وشجاعتنا، بخطايانا وتوبتنا، بعجزنا عن أن نكون مثاليين رغم سعينا الدائم نحو ذلك.
إذن ببراعة فائقة جادت علينا المبدعة القاصة لتؤكد أن فكرة النص التى نسج حولها أشعة إبداعه ، ما هي إلا رسالة كونية تعبر عنا جميعاً كبشر ، فلا قداسة أو مثالية حتى لو كان أحدنا شيخاً بجلاله ومهابته فهو في النهاية لا يخرج عن دائرة كونه بشر يخطئ ويصيب .
فالقصة هنا هي أكثر من مجرد سرد لحكاية شيخ تتنازعه شهواته ومخاوفه. إنها نافذة على الصراع الأزلي بين النفس البشرية في هشاشتها الأخلاقية وبين المثاليات التي تحاول التمسك بها.
فالشيخ عبد الباسط ليس مجرد شخصية سردية؛ إنه نموذج معقد للإنسانية في أوضح تجلياتها. الكاتبة تظهره كرمز مزدوج: ولي صالح في عيون الناس، وإنسان هشّ في مواجهة إغراءات النفس.
ثنائية الرغبة والرهبة التي تتصارع داخله ليست سوى انعكاس للصراع الإنساني بين المثالية والشهوة، بين الدين والدنيا، وبين ما نؤمن به وما نسقط فيه.
القصة تصنع من الشيخ مرآة ينعكس فيها ضعف الإنسان أمام نفسه، حيث العقل يردد: “استغفر الله”، والنفس تهمس: “لمم!”. وبين هذه الثنائية تنكشف حقيقة الإنسان ككائن متناقض، يكابد ليوازن بين قداسة الصورة التي يراها الآخرون وشهوات النفس الخفية التي لا تفارقها.
القصة قصيرة، لكن كل كلمة فيها تحمل وزنًا فكريًا ونفسيًا كبيرًا. الألفاظ مشحونة بمعانٍ مزدوجة، حيث تتحول الكلمات إلى أدوات تصويرية تعكس تعقيد الصراع الداخلي.
عبارة مثل “فرشت أمانيها.. وصلها.. هيامها” تضفي طابعًا شعريًا على الحدث، وكأن الكاتبة تعيد تشكيل اللغة لتكون أداة تصويرية للحظة الضعف.
أما “يصرخ عقله: آه ..هنا بيت القصيد”، فهي تسقط القارئ مباشرة في دوامة الصراع الداخلي، حيث تتحول الفكرة إلى صرخة، والعقل إلى قاضٍ لا يتهاون.
القصة أيضاً في مبناها ومعناها تعج بالرموز الأخلاقية التي تُبنى بشكل غير مباشر.
فمثلاً “العمامة” التي يلمسها الشيخ ليست مجرد غطاء رأس، بل هي رمز للثقل الأخلاقي والاجتماعي الذي يحيطه.
الأطفال أيضاً الذين يرشقونه بالحجارة هم الضمير الجمعي للمجتمع، الذي لا يسامح الأخطاء التي تنال من صورة المثال والقدوة والقديس .
أما فكرة “اللمم”، فهي ذروة النص، لأنها تلخص التبرير النفسي الذي يستخدمه الإنسان ليواجه ضعفه، في حين أن عقله يصرخ بالحقيقة.
الكاتبة تستخدم “اللمم” كرمز لكل تلك اللحظات الصغيرة التي نتنازل فيها عن مبادئنا، معتبرين إياها مجرد استثناءات تُغتفر، لكنها في النهاية تراكمات تشكل خطايانا الكبرى.
إذن القصة تحمل تأملًا عميقًا في طبيعة النفس البشرية. إنها تضعنا أمام مرآة كبيرة، نرى فيها أنفسنا بكل تناقضاتنا. “سيف الرغبة والرهبة” ليس مجرد سيف يهدد الشيخ عبد الباسط، بل هو السيف الذي يحمله كل إنسان، يحاول به شق طريقه بين نداءات الشهوة وصيحات الضمير.
إنها ليست فقط قصة قصيرة، بل صرخة
أدبية تدعونا لإعادة التفكير في مفاهيمنا عن الصواب والخطأ، وعن قدرتنا كبشر على الوقوف أمام أنفسنا دون أقنعة.
د/ نجوى محمد سلام
( الفراشة الحالمة )