عواقب تحرکات هیئة تحریر الشام على المستوى الإقليمي
ما تأثير هيئة تحریر الشام على المنطقة؟
سمير باكير-
هجوم تحریر الشام كان من بين القضايا التي حذرت منها بعض مراكز الأبحاث المستقبلية، وأعلنت أنه سيحدث في يوم من الأيام. على الرغم من أن جميع الأطراف المتناحرة في سوريا كانت تدرك أن هذا الأمر سيحدث في النهاية، إلا أننا شهدنا توسع دائرة سيطرة هذا الفصيل المسلح دون اي مقاومة تذكر.
على الرغم من أن هذا التحرك يدّعي حتى الآن أنه يسعى فقط إلى إحداث تغييرات في العلاقات الداخلية، ولا يعتبر نفسه مكلفًا بأي مهمة تتجاوز حدود سوريا، إلا أنه يجب الانتباه إلى أن هذا التحرك سيترك بلا شك تأثيرات عميقة على دول أخرى.
هذه التأثيرات ليست بالضرورة سلبية، بل تُقيّم أحيانًا بأنها إيجابية، لكن نطاق التأثير واسع لدرجة أنه قد يؤدي حتى إلى تأثيرات سلبية على داعمي هذا التيار، وهنا لابد من الإشارة لبعض هذه التأثيرات:
1- خلق وسيلة ضغط على روسيا لقبول شروط وقف إطلاق النار في أوكرانيا
فالصراع في أوكرانيا يتقدم بطريقة غريبة وعصيّة على الحل. في حين أن الدول الأوروبية قدمت حتى الآن العديد من الخيارات لتحقيق السلام في أوكرانيا، إلا أن روسيا أظهرت أنها لن تكون مستعدة لإنهاء القتال حتى تحقق أهدافها بالكامل.
من جهة أخرى، الأزمات الاقتصادية الناجمة عن أزمة أوكرانيا خلّفت تأثيرات متعددة على أوروبا، مما يجعل ضرورة وقف الحرب أكثر إلحاحًا. وفي هذا السياق، يبدو أن أحد أهداف التخطيط الدولي للحرب في سوريا هو الضغط على روسيا لقبول وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
لهذا السبب، بعد التحركات الأولى التي قامت بها تحریر الشام، أعلنت روسيا شروطًا لقبول وقف إطلاق النار. ومع ذلك، يبدو أن السيناريو الجديد سيتطور بطريقة تجبر روسيا على التخلي عن شروطها واعادة المناطق المحتلة في أوكرانيا.
2- مزاعم الأكراد بإنشاء دولة مستقلة
للأكراد القاطنين في المناطق الشمالية من سوريا كانت دائمًا عرضة للضغوط والهجمات من جميع الأطراف. ورغم الدعم الذي حصلوا عليه من الولايات المتحدة، لم يتمكنوا حتى الآن من تأسيس دولتهم المنشودة، بل وكانت المناطق الحضرية التي يسيطرون عليها تتعرض بشكل متكرر لهجمات تركيا أو قوات العشائر السورية.
من جهة أخرى، الخلافات الخفية بين بارزاني ورجب طيب أردوغان توفر بيئة ملائمة لتحركات الأكراد الفورية نحو تأسيس دولتهم المستقلة. ومع انشغال الأنظار بالوضع الداخلي في سوريا، يبدو أن الأكراد وجدوا الظروف مواتية لتأسيس دولة كردستان التي قد تشمل أجزاءً من شمال العراق أيضا.
وفي هذا السياق، يجب أخذ الخلافات القديمة بين تحریر الشام والأكراد السوريين بعين الاعتبار. وبناءً على ما شاهدناه من التحركات الميدانية وسرعة عمليات قوات تحریر الشام، فإن هناك احتمالًا بأن تكون الخطوة التالية لتحریر الشام، بعد تثبيت مواقعها، هي السيطرة على الرقة والحسكة ودفع القوات الكردية للتراجع من هذه المناطق.
3- التمهيد للهجوم على إسرائيل:
رجب طيب أردوغان أعلن مرارًا أنه عدو لإسرائيل، وصنع لنفسه صورة عالمية كمعارض لهذه الدولة.
من جهة أخرى، فإن التناقض الأيديولوجي بين قوات تحریر الشام وإسرائيل، المستمد من عقائدها المرتبطة بالقاعدة، قد يدفعها بعد مواجهة العدو القريب، أي نظام بشار الأسد، إلى مواجهة العدو البعيد، وهو إسرائيل.
لهذا السبب، نلاحظ أن تحركات هذه الجماعة بدأت من الشمال، وهدفها الوصول إلى مناطق مرتفعات الجولان.
نتيجةً لهذا المسار، عززت القوات الإسرائيلية في الاونة الاخيرة مواقعها الحدودية عدة مرات، ويُعتبر خطر هذا التصعيد في المناطق الشمالية الشرقية من إسرائيل خطرًا جديًا وقابلًا للتقييم.
4- تمهيد الطريق لتهريب الأسلحة إلى إيران
رغم الاعتقاد بأن سقوط نظام بشار الأسد قد يؤدي إلى انهيار خطوط نقل المعدات من شرق سوريا إلى غربها، يبدو أن حالة الفوضى تُوفر بيئة أكثر ملاءمة لتحقيق أهداف إيران.
عند مراقبة الوضع في سوريا، نلاحظ أن القوات الإيرانية لم تتدخل عسكريًا في مواجهة تحریر الشام، مما يشير إلى أن أنشطتها تتركز في مجالات أخرى.
حزب الله اللبناني، الذي تكبّد خسائر كبيرة بسبب المواجهات العنيفة مع إسرائيل، حصل على فرصة ثمينة لإعادة تنظيم صفوفه، خصوصًا في ظل الظروف الحالية التي تقلّ فيها الرقابة على المعابر الحدودية إلى أدنى مستوياتها، وعدم قدرة الجيش السوري على إنشاء نقاط تفتيش. يسمح ذلك لإيران بتقديم دعمها لحزب الله بشكل سري وسلس.
في الوقت الذي تنشغل فيه القوات الإسرائيلية بمواجهة تهديد الجبهة الجديدة في سوريا، يعمل حزب الله على إعادة بناء معداته وهيكله التنظيمي، ليكون مستعدًا لاستئناف النزاع مع إسرائيل فور انتهاء وقف إطلاق النار.
منذ بداية وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، كان واضحًا أن هذا التهدئة ليست سوى استراحة مؤقتة، والطرف الذي يخرج منتصرًا هو من يستغل هذه الفترة المتمثلة بالستين يومًا لإعادة بناء قدراته بشكل كامل.
5- الإضرار بالمصالح الاقتصادية للصين
على مدار العقدين الماضيين، أدى النزاع الاقتصادي بين الصين وتركيا إلى فرض عقوبات غير رسمية في بعض الأحيان، مما أسفر عن خلافات خفية بين البلدين.
من غير المرجح أن يكون دعم تركيا لقوات تحریر الشام دون تأثير على المصالح الاقتصادية للصين. بمعنى آخر، يبدو أن تركيا تسعى من خلال هذا التحرك لتحقيق عدة أهداف. بالإضافة إلى الإضرار بالمصالح الاقتصادية للصين، قد تكون تركيا تسعى لإظهار أن القوة الحقيقية في سوريا ليست في يد إيران وروسيا التي كانت تعتبرهما الصين مسيطرتان على الوضع، بل هي في يد أردوغان.
وبالتالي، يمكن القول إن أحد الأهداف الرئيسية لتركيا هو تقليص النفوذ الصيني، لكن يبقى أن نرى كيف ستتحرك القوات المدعومة من تركيا بشكل مباشر ضد المصالح الصينية.
6- غرق إدارة ترامب في مستنقع سوريا:
الصراع بين ترامب وبايدن، على عكس الانتخابات الأمريكية السابقة، اتخذ طابعًا شخصيًا. وجود ترامب بحد ذاته يمثل عنصرًا للمفاجآت، ولكن هذه الانتخابات أفضت إلى مواجهة متكافئة بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث يتهم كل طرف الآخر بشتى الوسائل.
ترامب، الذي زعم قبل الانتخابات أن ولايته الرئاسية ستكون نهاية لعصر النزاعات، يجد نفسه الآن في وضع يتولى فيه إدارة البلاد دون أن يكون قادرًا على الانسحاب من سوريا بأي شكل من الأشكال.
لا شك أن هذا السيناريو يمثل فائدة كبيرة لبايدن، الذي يسعى لتجنب تصوير إدارته كخاسرة. يجب ألا ننسى أن الضغوط الأمريكية دفعت إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار مع لبنان، والتراجع عن العديد من شروطها.
إدارة بايدن نسبت إنجاز تحقيق وقف إطلاق النار إلى نفسها، وفي المقابل رتبت الظروف بحيث يجد ترامب نفسه عالقًا لعدة سنوات في وسط الحرب السورية.
7- موقف حياة أو موت لحركة حماس:
الفرصة التي أتاحها تحويل الأنظار إلى سوريا تُعد وقتًا مناسبًا للطرفين في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل. من جهة، إذا انصب تركيز إسرائيل على مواجهة قوات تحریر الشام، فسيكون ذلك وقتًا مثاليًا لحماس لاستعادة قواها وتنظيم صفوفها.
ولكن من جهة أخرى، إذا استغلت إسرائيل هذه الفرصة، فقد تقوم بهجوم شامل لتدمير حماس في ظل التعتيم الإعلامي. وما يمكن استنتاجه حتى الآن من تحركات إسرائيل يشير إلى الخيار الثاني؛ حيث يبدو أن إسرائيل قد قررت استغلال التحولات في سوريا للقضاء على حماس نهائيًا ووضع حد لنشاطها بشكل كامل.