مقالات
أخر الأخبار

طباع الناس واختلافاتهم في مسرح الحياة

 

بقلم : مروه عدلي

في مسرح الحياة، لا يشبه أحدٌ أحدًا. يمرّ الإنسان على الناس كما تمرّ الرياح على الأشجار، كلٌّ يميل باتجاه، كلٌّ له طبع، وله بصمة، وله حال. منذ خُلق البشر وهم يتفاوتون في الطباع، كأنهم قطع فسيفساء تُكوّن لوحةً لا تُشبه سواها. تجد من هو سريع الغضب، وآخر لا تغضبه نائبات الدهر، وبين هذا وذاك ألوانٌ لا تُعد ولا تُحصى.

 

الناس في الدنيا كالمعادن، فيهم من يلمع إذا صقلته التجارب، وفيهم من يزداد صدأً كلما زادت عليه المحن. منهم من طبعه الكرم بلا حساب، ومنهم من لا يفتح يده إلا بشقّ الأنفس. ومنهم من يحمل قلبًا يُشبه الورد، رقيقًا عطِرًا، لكنه قد يُداس من دون أن يُؤذي، ومنهم من لا يرى في الحياة إلا ميدانًا للغلبة والسيطرة.

 

لكن الأجمل في هذا التنوع، أنه يجعل للحياة طعمًا، فلو تشابه الناس لبطل الإبداع، ولباتت الأيام مملة رتيبة. الاختلاف في الطباع هو ما يصنع القصص، ويثير العِبر، ويجعل لكل إنسان في حياتك أثرًا خاصًا لا يتكرر.

 

ولأن الطباع تتشكل من بيئةٍ وتربية وتجارب، فإن الإنسان قد يولد بطبع، لكن الدنيا تُقوّمه أو تُعوجه. فمن عاش في دفء المحبة، صار قلبه ألين، ومن ذاق مرارة الخذلان، صار حذرًا، وربما قاسيًا. وقد تلتقي بشخص لا يحمل في قلبه شرًا، لكن الحياة علّمته أن يُخفي طيبته خلف جدران من الصمت والحدة.

 

حال الناس في الدنيا ليس ثابتًا، فالقلوب تتبدّل، والطباع تنضج أو تتعكّر. وقد ترى إنسانًا اليوم مبتسمًا، ووراء ابتسامته وجعٌ دفين لا يعلمه إلا الله. وقد تقسو على أحدهم وهو يمرّ في أشد لحظات انكساره، فترى منه طبعًا لا يُشبهه، ولا يُمثله، بل يُمثّل ألمه فقط.

 

ورغم اختلاف الطباع، يبقى القبول مفتاح العلاقات. أن تقبل الآخر كما هو، لا كما تتمنى، هو عين الحكمة. فليس من العدل أن نطلب من الجميع أن يتصرفوا كما نُحب، أو أن يتوافقوا معنا تمامًا. في التنوع جمال، وفي الفهم عمق، وفي التسامح راحةٌ للنفس.

 

ولعل أصدق ما يُقال في النهاية: “كلٌ ميسّرٌ لما خُلق له”. فطباع الناس ليست عيبًا، بل هُويّة. والسعيد من عرف نفسه، وأدرك طباع من حوله، فخفّف من حِدّة توقعاته، ووسّع مساحة تفهّمه، ومضى في الحياة بقلبٍ يتّسع.

 

وفي الختام، تبقى الدنيا رحلة نمرّ فيها بين وجوه وطباع، نتعلّم من بعضها، ونتجنّب بعضها، لكننا في كل لقاء نُضيف إلى ذواتنا شيئًا جديدًا. فلنحسن الظن، ونلتمس الأعذار، ونتذكّر دومًا أن وراء كل طبع حكاية، ووراء كل تصرف قصة لا نعلمها.

 

“لا تحكم على الزهر من لونه، فقد يُخفي شوكًا، ولا على الشوك من قسوته، فقد يحرس عطرًا لا يُقاوم.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى