
كتبت د/غادة حجاج
**اغتصاب الأطفال وتأثيره النفسي: معاناة لا تنتهي بمرور الوقت**
يعتبر اغتصاب الأطفال من أبشع الجرائم التي يمكن أن يتعرض لها إنسان في مرحلة الطفولة، حيث يترك ندوباً عميقة في النفس لا تختفي بسهولة. الضحايا الصغار يواجهون صدمة عنيفة تفوق قدرتهم على التعبير أو الفهم، مما يؤدي إلى تشوهات نفسية قد تستمر لسنوات طويلة، بل وربما طوال حياتهم إن لم يتم التعامل معها بوعي ودعم متخصص.
**الصدمة الأولى: انهيار عالم الطفولة
عندما يتعرض الطفل للاغتصاب، يدخل في دوامة من المشاعر المتضاربة التي لا يستوعبها. يشعر بالخوف الشديد، والارتباك، وأحياناً بالذنب نتيجة تلاعب الجاني به أو تهديده. كثير من الأطفال لا يدركون طبيعة ما حدث، لكنهم يختبرون ألماً جسدياً ونفسياً يدفعهم إلى الانسحاب من العالم المحيط. قد تظهر عليهم أعراض مثل الكوابيس المتكررة، أو نوبات البكاء دون سبب واضح، أو حتى محاولات إيذاء النفس كتعبير عن عدم قدرتهم على تحمّل الألم.
**عواقب طويلة الأمد: من الصمت إلى الثورة الداخلية**
مع مرور الوقت، تتحول الصدمة إلى اضطرابات نفسية معقدة. كثير من الناجين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الذي يجعلهُم يعيشون ذكريات الاغتصاب كأنها تحدث في اللحظة ذاتها. آخرون يواجهون اكتئاباً حاداً أو قلقاً اجتماعياً، حيث تفقد الثقة في الآخرين، خاصة إذا كان المعتدي شخصاً مقرباً. بعض الأطفال يطورون سلوكيات عدوانية أو ينغمسون في تصرفات خطرة كمحاولة للهروب من الواقع، بينما يلجأ آخرون إلى العزلة التامة، خوفاً من تكرار التجربة.
**التأثير على الهوية والعلاقات المستقبلية**
الاغتصاب لا يدمر لحظة الطفولة فحسب، بل يشوه نظرة الطفل إلى نفسه وإلى العالم. كثير من الناجين يشعرون بالعار الدائم، ويعتقدون أنهم “مدنسون” أو “مكسورون”، مما يؤثر على تكوين هويتهم وقدرتهم على بناء علاقات صحية في المستقبل. البعض يواجه صعوبة في الثقة بأي شخص، حتى بأفراد الأسرة، بينما قد يقع آخرون في فخ إعادة تمثيل الصدمة عبر سلوكيات مدمرة، كالإدمان أو الانخراط في علاقات مؤذية.
**كيف يمكن مساعدة الناجين؟*
الشفاء من آثار الاغتصاب ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب تدخلاً مبكراً ودعماً نفسياً متخصصاً. العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج باللعب (للأطفال الصغار)، وجلسات الدعم الجماعي، كلها أدوات فعّالة لإعادة بناء الثقة وتخفيف حدة الأعراض. دور الأسرة والمجتمع أيضاً بالغ الأهمية؛ فتقديم بيئة آمنة خالية من الأحكام المسبقة يمنح الطفل المساحة الكافية للتعبير عن مشاعره دون خوف.
**خلاصة
معاناة الأطفال بعد الاغتصاب لا يمكن اختزالها في ألم مؤقت، بل هي رحلة شائكة من المواجهة اليومية مع الذكريات والمشاعر المكبوتة. التوعية بهذه القضية، ومحاربة ثقافة الصمت التي تحيط بها، هي الخطوة الأولى نحو إنقاذ أجيال من الضرر النفسي الذي لا يقل فظاعة عن الجريمة ذاتها.