أخبار

من الذاكره……. 8 مايو 1972

تقرير حماده احمد باشا 

تفتيش 71 خبيرا عسكريا سوفيتيا بمطار القاهرة فى طريق عودتهم إلى موسكو بعد شائعة خبيثة بتهريبهم للذهب.. والرئيس السادات يتدخل لإنهاء المشكلة.

1
كانت الساعة الخامسة مساء يوم 8 مايو، مثل هذا اليوم، 1972، حين التقى الفريق أول سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، بكبير المستشارين السوفييت فى قيادة المنطقة المركزية، وأخبره بحزن وأسى، أن بعض الجنود السوفييت الذين انتهت مدة خدمتهم فى مصر وفى طرق عودتهم إلى موسكو جرى تفتيش اثنين منهم بمطار القاهرة بطريقة استفزازية، ما أثار سخط الآخرين فرفضوا التفتيش وهم الآن فى صالة الجمرك، حسبما يذكر «الشاذلى» فى مذكراته «حرب أكتوبر».
2
وقع هذا الحادث قبل زيارة وزير الدفاع السوفيتى «جريتشكو» لمصر يوم 14 مايو 1972، وبمناسبة هذه الزيارة أبلغت القيادة السوفيتية نظيرتها المصرية بوصول سرب قاذفات كان الرئيس السادات طلبها أثناء زيارته لموسكو فى أبريل 1972، فى إطار الاستعداد للمعركة ضد إسرائيل لتحرير سيناء والاعتماد على السلاح السوفيتى، وفقا لحافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى، فى مذكراته «أمن مصر القومى وعصر التحديات»، وفى ضوء ذلك كان ما جرى غريبا ومثيرا، وخضع لتفسيرات متعددة مقترنة بسؤال: من هو المسؤول عن ذلك؟
3
يذكر حافظ إسماعيل: «أجرى رجال الجمارك تفتيش أمتعة عدد من الخبراء بمطار القاهرة، وهم فى طريق عودتهم إلى الاتحاد السوفيتى، وكان الغرض هو التأكد من أنهم لا يحملون سلعا ذهبية، وعلى ذلك تعطل سفر الخبراء إلى ما بعد الظهر، حتى أمر الرئيس السادات – وكان يومها فى ليبيا – بسفرهم إلى بلادهم، ولم يتبين خلال هذا الحادث ما يؤكد شائعات «تهريب» الذهب من مصر، فلم يكن الخبراء يحملون ما يزيد عن الهدايا الطبيعية التى يحملها السائح لعائلته».
4
ويضيف «إسماعيل»: «رجح الكثيرون أن ما تم كان بتوجيه من الفريق محمد أحمد صادق وزير الحربية، الذى أراد قبيل وصول وزير الدفاع السوفيتى أن يؤكد بقاء مشكلة الخبراء «حية»، ورجح الكثيرون أن يكون عام الدراسة الذى أمضاه صادق فى موسكو سنة 1958 ترك لديه انطباعات غير حسنة تجاه السوفييت والعسكرية السوفيتية عامة، الأمر الذى لم يستطع صادق أن يتجاوزه، حتى بعد أن أصبح قائدا عاما».
5
يؤكد سعد الدين الشاذلى، أنه حين استمع إلى شكوى كبير المستشارين السوفييت اصطحبه وعاد به إلى مكتبه، لمتابعة الأمر حتى وصل «صادق» إلى مكتبه، وحدثت مواجهة بينه وبين كبير المستشارين قال فيها: «أنا ليست لدى أية سلطة على رجال الجمارك، إنهم تابعون لوزير الاقتصاد، ويفتشون الوزراء»، يضيف الشاذلى: «كان صادق يقول ذلك لكنه همس لى أنا واللواء حسن الجريدلى الأمين العام للوزارة: «إن المعلومات التى لدينا تؤكد أن معهم 80 كيلوجراما من الذهب، وأخذ الكلام يدور فى حلقة مفرغة إلى أن دق جرس الهاتف، فرد الوزير، وكان يناديه باسم محمد، ويعتقد الشاذلى أن المتصل كان حافظ إسماعيل».
6
يكشف الشاذلى: «سافر الـ71 فردا سوفيتيا بعد أن سمح لهم أن يأخذوا معهم الهدايا التى اشتروها، وكانت، 26 سلسلة، 45 خاتما، 75 دبلة، 41 قرطا، 7 غوايش، 3 بروش، وكان الوزن الإجمالى نحو 1200 جرام من الذهب أى بمعدل 17 جراما لكل فرد».
7
ويرى الكاتب الصحفى والباحث فى الشأن الروسى الدكتور سامى عمارة، فى كتابه «القاهرة – موسكو – وثائق وأسرار»، أن تلك الواقعة كانت إرهاصة أولى على خطط السادات للتوجه نحو الأمريكان على حساب علاقته بالسوفييت، ويستشهد فى ذلك بقول الجنرال «فاديم كيربيتشينكو» فى كتابه «من أرشيف رجل الـ«كى .جي.بى»- مهام سرية»: «إن الاتصالات السرية بدأت مع الرئيس الأمريكى نيكسون مبكرا، وأن بعض المشاهد الاستفزازية فى حق الخبراء الروس، ومنها واقعة احتجاز 71 خبيرا مع أفراد عائلاتهم فى مطار القاهرة، وتفتيشهم قبيل عودتهم إلى الوطن بحثا عما قيل إنه «ذهب مصر»، وعلى الرغم من أن السلطات المصرية لم تجد معهم سوى ما ابتاعوه من أقراط ودبل وحلى للاستخدام الشخصى، فإن الغرض المراد منه تشويه صورة السوفييت كان قد تحقق».
8
ويذكر السفير السوفيتى فى القاهرة وقتئذ «فلاديمير فينوجرادوف» فى كتابه «مصر من ناصر إلى حرب أكتوبر – من أرشيف سفير»، ترجمة: أنور محمد أبراهيم: «كان الهدف من وراء ذلك كما صرح موظفو الجمارك المصريون إثبات صحة الشائعات، التى تقول إن الروس يقومون بتهريب كميات كبيرة من الذهب، وبالطبع لم يسفر التفتيش عن وجود أى ذهب، كان علينا أن نتخذ إجراءات حاسمة بما فيها مخاطبة الرئيس نفسه، وفى مساء نفس اليوم اتصل بى السادات، وكنت وقتها فى ضيافة رئيس الوزراء عزيز صدقى فى بيته للتحدث فى بعض الأمور، قال لى السادات عبر الهاتف، إنه يشعر بالخجل أن يقرر شخص ما فى مصر مكافأة العسكريين السوفييت على هذا النحو غير اللائق على ما بذلوه من جهد مخلص، وطلب اعتبار هذا الحادث منتهيا وكأنه لم يكن».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى