من الذاكره… 10 مايو 1948

تقرير:حماده احمد باشا
جولدا مائير تبدأ رحلتها للقاء السرى الثالث مع الملك عبدالله مؤسس إمارة «شرق الأردن» قبل 4 أيام من «إعلان تأسيس إسرائيل»
طلبت جولدا مائير من الملك عبدالله، ملك «شرق الأردن» اللقاء على وجه السرعة، فقال للوسيط الذى يحمل طلبها: «إذا أرادت فعليها أن تحضر إلى عمان على أن تتحمل مسؤولية المخاطرة، ولن يتحمل أية مسؤولية عما قد يحدث فى الطريق»، وتكشف جولدا فى مذكراتها «اعترافات جولدا مائير» ترجمة، عزيز عزمى، قصة هذا اللقاء السرى المثير الذى تم يوم 11 مايو 1948 ليلا، وامتد حتى ساعات الصباح يوم 12 مايو، وكان اللقاء الثالث بينهما، لكنه يبقى الأكثر إثارة فى تفاصيله التى بدأت 10 مايو، مثل هذا اليوم، 1948.
كانت جولدا وقتئذ، رئيسة «الدائرة السياسية فى الوكالة اليهودية»، والتى أصبحت رئيسة للحكومة الإسرائيلية من عام 1969 إلى حرب أكتوبر 1973، وكانت الوكالة مسؤولة عن تهجير اليهود إلى فلسطين قبل إعلان تأسيس دولة إسرائيل يوم 15 مايو 1948، أما الملك عبدالله فهو مؤسس إمارة «شرق الأردن» عام 1921، وفيما كانت الجيوش العربية تتأهب لدخول فلسطين لمحاربة العصابات الصهيونية فيها، كانت علاقته متواصلة وسرية مع الوكالة اليهودية، حسب تأكيد الضابط الأردنى عبدالله التل فى مذكراته «كارثة فلسطين».
كان «التل» قائدا للكتيبة التى أنقذت القدس من الدمار أثناء حرب 1948، ويكشف: «كانت اتصالات الملك عبدالله باليهود مستمرة، ويسلم بها أهل عمان، وخاصة الذين يترددون على قصره، وكان جلالته يحضر اليهود إلى القصر عن طريق مطار عمان، حيث تنزل بهم الطائرة، وكأنها طائرة بريطانية، فلا يجرؤ أحد على التعرض لها، ثم ينتقل ركابها لسيارة من سيارات الخاصة الملكية إلى القصر الملكي، وفى كثير من الحالات كان جلالة الملك يسافر بنفسه خفية إلى الحدود».
تكشف «جولدا» فى مذكراتها أنها قبل ستة أشهر من تأسيس إسرائيل تقابلت مرتين مع الملك عبدالله، وتؤكد: «كلا اللقاءين بقيا سرا، حتى بعد اغتيال الملك عبد الله «20 يوليو 1951»، وتضيف: «كان اللقاء الأول فى أوائل نوفمبر 1947، ووافق على مقابلتى بوصفى رئيسا للدائرة السياسية فى الوكالة اليهودية بمنزل فى «نهاراييم» مع أحد خبرائنا فى الأمور العربية وهو الياهو ساسون، والد أول سفير إسرائيلى فى مصر موشيه ساسون.
تصف «جولدا»، الملك عبدالله، قائلة: «صغير الجسم، رابط الجأش، ذا سحر آخاذ»، وتذكر أنها قبل لقائها الأول به تزودت بمعلومات عن مفهومه العام لدور اليهود فى المنطقة، واعتمدت فى هذا على «عزرا دانين» الذى كان يلتقيه كثيرا فى سرية، وهو من خبراء الوكالة اليهودية فى الشؤون العربية، كان المفهوم العام للملك لدور اليهود، يتلخص فى أن العناية الإلهية شتت اليهود فى العالم العربى لكى يستوعبوا الحضارة الأوروبية، ويجلبوها معهم إلى الشرق الأوسط ، فيعيدوا بذلك إحياء المنطقة.
تؤكد جولدا أنها بعد تناولها القهوة – الكلام ما زال عن اللقاء الأول – دخل إلى لب الموضوع مباشرة، فهو لن ينضم إلى أى هجوم عربى ضدنا»، وكان هذا الوعد الذى تم فى اللقاء الأول سيقود إلى اللقاء الثالث الذى تقول عنه: «جاءتنى معلومات بأنه سينضم إلى الجامعة العربية على الرغم من وعده لى، وكان تساؤلى: هل ذلك صحيح؟ وجاءتنى الإجابة من عمان بالنفى، وقال، إن السؤال أدهشه، وأننى يجب أن أتذكر ثلاثة أشياء، أنه بدوى ولهذا فهو رجل شرف، وأنه ملك، ولذا فإنه رجل شرف مضاعف، ولا يحنث بوعده قط لامرأة».
وبالرغم نفى الملك عبدالله، إلا أن جولدا تؤكد: «أخذنا نبحث فى جدوى الاتصال به من جديد، فإذا لم نستطع إقناعه بتغيير رأيه فسنعرف على الأقل مدى عمق التزامه هو وقواته التى يدربها ويقودها بريطانيون بالحرب ضدنا، لم يكن الأمر فقط أن الفيلق العربى عنده كان أفضل جيوش المنطقة، لكن إذا حدثت المعجزة وبقيت شرق الأردن خارج الحرب، فسيكون من الصعب على الجيش العراقى أن يخترق فلسطين ليضم للهجوم علينا».
تؤكد جولدا أن بن جوريون، أول رئيس حكومة لإسرائيل، نصحها بتكرار محاولة لقاء «عبدالله»، فطلبت «عزرا دانين» أن يرافقها، وتؤكد أن «الرسول» الذى أرسلته لطلب اللقاء، رد عليها برفض الملك أن يحضر إلى «نهاراييم» كما حدث فى اللقاءين السابقين، مؤكدا: «هذا خطر للغاية».
تشرح «جولدا» كيف بدأت رحلتها المثيرة: «كان علينا أولا أن نصل إلى تل أبيب، إذ كان الوصول إليها فى مثل صعوبة الوصول إلى عمان، ولبثت فى القدس أنتظر الطائرة منذ الصباح حتى الساعة السابعة مساء، لكن عندما وصلت الطائرة، كانت الأحوال الجوية قد أصبحت بالغة السوء، ولو كانت الأحوال عادية لأجلت الأمر إلى الصباح، لكننا لم نستطع فقدان الوقت إذ كنا فى العاشر من مايو، وسيعلن تأسيس دولة إسرائيل فى 14 مايو، وكانت تلك آخر فرصة لنا للحديث مع عبدالله، وفى طائرة مروحية يمكن أن تمزقها نسمة قوية، أقلعنا إلى تل أبيب»