
بقلم أ/هناء طلب
في ظل عالم يموج بالتحديات والتغيرات، تبرز قيمة العدل كمرتكز أساسي في تربية الأجيال، بل يمكن القول إن التربية السوية لا تتحقق إلا في ظل بيئة عادلة ينشأ فيها الطفل وهو يشعر بالأمان، والاحترام، والمساواة.
العدل ليس فقط مفهومًا قانونيًا أو دينيًا، بل هو جوهر إنساني يُبنى عليه الضمير، وتتكوّن من خلاله شخصية الإنسان المتزنة القادرة على التفاعل بإيجابية في المجتمع.
العدل في القرآن الكريم
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعو إلى العدل، مما يؤكد مكانته الرفيعة في الإسلام:
قال تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” [النحل: 90]
وقال أيضًا:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ” [النساء: 135]
هتان الآيتان وغيرهما من النصوص القرآنية تُظهر كيف أن الإسلام لا يرضى بأي شكل من أشكال الظلم، حتى ولو كان في أصغر الأمور، أو موجهًا ضد النفس.
العدل في السنة النبوية
من السنة النبوية نستلهم تطبيقات عملية للعدل، وخاصة داخل الأسرة.
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال:
“تصدق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا. قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.” [متفق عليه]
هذا الحديث الشريف يوضح بشكل مباشر أن العدل بين الأبناء فريضة، وليس فقط سلوكًا حسنًا.
العدل في سلوك المربي
العدل في التربية لا يعني المساواة التامة دائمًا، بل يعني مراعاة الاحتياجات المختلفة لكل طفل دون تمييز. فمثلاً، قد يحتاج أحد الأبناء إلى رعاية صحية أكثر من غيره، وقد يحتاج الآخر إلى دعم نفسي، وهنا يكون العدل في إعطاء كل فرد ما يحتاجه لينمو ويزدهر.
آثار العدل في التربية
أمان نفسي: عندما يشعر الطفل بأنه يُعامل بعدل، يشعر بالقبول والطمأنينة.
بناء الثقة بالنفس: الطفل العادل في بيئته يثق في نفسه وقدرته على التقدم.
التماسك الأسري: العدل يمنع الغيرة والكراهية بين الإخوة، ويُعزز المحبة بينهم.
احترام القانون لاحقًا: الطفل الذي تربى على العدل يحترم القوانين في المدرسة والمجتمع.
حكم وأقوال مأثورة عن العدل
“العدل أساس الملك” — حكمة خالدة تُشير إلى أن أي بناء، سواء أسرة أو دولة، لا يستقيم بدون عدل.
“العدلُ زينةُ المجتمعات، وميزانُ العلاقات.”
“من عدلَ في أولاده، استقامت له بيوته، ومن جار، تفككت أسرته.”
حكمة الأفعال التربوية
كل تصرف يصدر من المربي يجب أن يكون موزونًا بميزان العدل، وأن يسأل نفسه:
هل أعامل أبنائي بناءً على سلوكهم، أم بناءً على مزاجي؟
هل أميز بين الذكر والأنثى في المعاملة؟
هل أعتذر إذا ظلمت أحدهم، وأُقر بالخطأ؟
إن العدل لا يعني العصمة، بل يعني الشجاعة للاعتراف بالخطأ وتصحيحه.
خاتمة
العدل قيمة ربانية، وسلوك إنساني، ومبدأ تربوي، إذا غاب انهارت ركائز التربية السليمة. والمربي العادل لا يصنع فقط أبناءً صالحين، بل يزرع فيهم قيماً تمتد إلى المجتمع بأسره. فلنحرص جميعًا أن نكون قدوة في العدل، لأنه مفتاح لكل تربية ناجحة.