بقلم / محمد ايوب
..وصلتُ إلى القرية مع الغروب، وكان التعب ينهش جسدي من طول السفر. هناك، في طرف الوادي، استقبلني راعٍ مسنّ بوجه بشوش وعيون ضائعة في الأفق. دعاني للمبيت عنده، قائلاً إنه لا يحب أن يترك الضيف بلا ضيافة.
في تلك الليلة، ذبح لي أربع خراف. النار مشتعلة، واللحم يفوح برائحته في الجو. أكلنا حتى الشبع، وكان الراعي يضحك كثيرًا، لكن كلما نظرت في عينيه، لم أكن أرى فرحًا حقيقيًا… بل شيئًا يشبه الخوف.
نمت بثقل المعدة، وصحوت قبل الفجر على صمت مخيف. خرجت لأجد الراعي مذبوحًا، ومسلوخ الجلد، كما سلخ خرافه. لم تكن هناك آثار هجوم بشري، ولا حيوان مفترس.
لكني لم أكن وحدي…
أربعة كيانات سوداء، نحيلة كالأعمدة، ذات أعين متوهجة بلون الدم، كانت تصطف حول الجثة. لم يتكلموا، لكنني سمعت صوتهم في رأسي:
“أكلت منّا… عند الغروب نأخذ حقّنا…”
هربت. مشيت على غير هدى، لكنهم كانوا في كل ظلّ، في كل مرآة، في كل ركن لا تضيئه الشمس.
الآن أنا في كوخ مهجور أكتب هذه الكلمات. الشمس بدأت تميل… وأنا أسمع أصوات خطوات خارج الباب.
الغروب يقترب.
