بوصلة الأسبوع: قراءة قانونية في أحداث الساعة”
تيك توك في قفص الاتهام: هل القانون ينتقم أم يعالج الجذور؟

بقلم د. عماد حسن
قضية شغلت الرأي العام وأثارت الجدل.. فبين ليلة وضحاها، تحول نجوم “تيك توك” من مشاهير إلى متهمين، خلف أبواب النيابات والمحاكم. القبض على عدد من صانعي المحتوى بتهم مثل “التحريض على الفسق” و**”هدم القيم الأسرية”** ليس مجرد خبر عابر، بل هو مؤشر على معركة أكبر تدور رحاها بين حرية التعبير، والأخلاق، والقانون.
لكن، دعونا نتوقف قليلًا.. هل هذه الإجراءات هي الحل السحري للأزمة، أم هي محاولة لإخفاء وجه المشكلة الحقيقي؟ وهل نستطيع لوم شاب اضطر لإثارة الجدل لأنه لم يجد فرصة عمل؟”
بين نص القانون وروح الواقع: متى يصبح المحتوى جريمة؟
لا يختلف اثنان على أن القانون هو صمام الأمان للمجتمع. فكما يقول فقهاء القانون، “القانون لا يحرم شيئاً، بل ينظمه”، وفي هذه الحالة، القانون واضح. فالمحتوى الذي يتجاوز الحدود ويُسيء للآداب العامة، أو يُحرّض على الفسق، أو يستغل الأطفال، أو يروج لأخبار كاذبة، هو بلا شك محتوى يستحق المساءلة الجنائية، وهناك نصوص عقابية بقانون العقوبات المصري وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية تُطبّق في هذه القضايا، ولكن، هل يعتقد أحد أن مجرد القبض على شخصين أو ثلاثة سيقضي على هذه الظاهرة من جذورها؟
الأزمة ليست في “التيك توكرز” بل في “التربة” التي أنبتتهم!
علينا أن نعترف بحقيقة مؤلمة: هؤلاء الشباب ليسوا كائنات من كوكب آخر، بل هم نتاج بيئة اجتماعية معقدة. إنهم ثمرة مجتمع يعاني من:
• فراغ ثقافي وتربوي: شباب لا يجدون بديلًا إيجابيًا يملأ وقت فراغهم، فتتحول الشهرة السريعة إلى وسيلة للهروب من الواقع المرير.
• أزمة اقتصادية خانقة: البطالة وغياب فرص العمل تدفع البعض للبحث عن أي سبيل لكسب المال، حتى لو كان عن طريق محتوى مثير للجدل.
• تغيّب الدور التوعوي: فبدلًا من أن نُقدم لهم نماذج إبداعية وقيمية، نكتفي بالانتقاد والسجن، في حين تزداد أعدادهم يوماً بعد يوم.
إذا ظننا أن سجن هؤلاء سيحل المشكلة، فنحن نخدع أنفسنا. إنها محاولة لإطفاء حريق باستخدام قطرات الماء، بينما الجوهر الملتهب يشتعل في مكان آخر!
القبض على صانعي المحتوى: عقوبة أم شهرة مجانية؟
وهنا تكمن المفارقة الخطيرة.. فبدلًا من أن يكون السجن رادعًا، قد يتحول إلى منصة للشهرة! فبعض هؤلاء صانعي المحتوى قد يخرجون من السجن وهم يحملون لقب “أبطال” أو “ضحايا”، وتزداد أعداد متابعيهم، وتصبح لهم “قضية”.
ولنتخيل معاً، لو أن هؤلاء قرروا بث محتواهم من خارج البلاد، هل سيتمكن القانون من ملاحقتهم؟ القبض على شخص واحد اليوم، قد يتسبب في ظهور عشرة آخرين غداً. إنها دائرة مفرغة لا تنتهي!
الحل ليس في السجن.. الحل في الإصلاح!
إن أردنا محتوى أفضل، فلنصنع بيئة أفضل. الحل يكمن في:
• إصلاح تعليمي حقيقي: يُعزّز الإبداع ويُنمّي التفكير النقدي.
• إتاحة فرص اقتصادية: تجعل الشباب لا يحتاج إلى “الشهرة السامة” كمصدر دخل.
• إنشاء منصات بديلة: تدعم المحتوى الهادف وتشجع المواهب الحقيقية.
باختصار، القبض على صانعي المحتوى ليس إلا مجرد اقتلاع للأعشاب الضارة، دون تغيير التربة التي أنبتتها. إن لم نقم بإصلاح هذه “التربة” الاجتماعية والاقتصادية، فستظل هذه المشكلة قائمة، ولن يحلها السجن.
💡 شاركنا برأيك…
هل تؤمن أن السجن هو الحل الأمثل لمواجهة محتوى “التيك توك” المثير للجدل؟ أم أننا بحاجة إلى حلول أعمق؟
“**📝 كاتب هذه السطور هو دكتور في القانون ومحامٍ بالنقض، ويرى أن القانون ليس مجرد نصوص، بل هو أداة للفهم والتغيير. من خلال هذه المنصة، يهدف إلى تبسيط القضايا القانونية المعقدة، وربطها بالواقع الاجتماعي، لخلق حوار واعٍ ومثمر.”
د. عماد حسن
المحامي بالنقض
دكتوراه في القانون – جامعة عين شمس
#تيك_توك #القبض_على_صانعي_المحتوى #الإصلاح_أولاً #حرية_التعبير