أخبار

التعدي على الأطباء.. ظاهرة تتفاقم داخل أقسام الطوارئ

تحقيق – مريم محمد 

في الوقت الذي يكرّس فيه الأطباء حياتهم لإنقاذ أرواح المواطنين، تتكرر وقائع مؤسفة داخل أقسام الطوارئ في المستشفيات، حيث يتعرض الأطباء وأعضاء هيئة التمريض لحالات تعدٍ بدني ولفظي من بعض أهالي المرضى، لا سيما في لحظات الازدحام والضغط الشديد.

وخلال الفترة الأخيرة، سجلت نقابة الأطباء عدة بلاغات بشأن حوادث اعتداء على أطباء الاستقبال، وصلت في بعض الحالات إلى الضرب المبرح وتحطيم الأجهزة الطبية، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الصحي وللقدرة على تقديم الخدمة الطبية.

أسباب الظاهرة

أكد خبراء الصحة أن أسباب التعدي متعددة، أبرزها: ضعف الوعي الصحي لدى بعض المواطنين، الضغط النفسي الشديد الذي يعيشه أهل المريض في لحظة الطوارئ، قلة عدد الأطباء وأفراد التمريض مقارنة بالحالات المتزايدة، طول فترات الانتظار نتيجة التكدس وضعف الإمكانيات.

شهادات من أرض الواقع

قال الدكتور “م.س”، طبيب طوارئ في أحد المستشفيات العامة بالقاهرة: “الاعتداء أصبح شبه يومي، حيث يدخل بعض الأهالي إلى قسم الاستقبال بعصبية شديدة، وإذا حدث أي تأخير ولو لدقائق قليلة، يتحول الموقف إلى شجار واعتداء، وكأننا لا نقف لإنقاذ أرواح.”

وأضاف أحد الممرضين: “نحن نعمل تحت ضغط رهيب، ومع ذلك يُنظر إلينا باعتبارنا مقصرين، بينما تكمن المشكلة في المنظومة الصحية وليس في الأفراد”.

وأشارت الدكتورة “س.م”، طبيبة مقيمة في مستشفى شبرا العام: “الاعتداءات تجعلنا نفكر في ترك قسم الطوارئ وطلب النقل إلى أقسام أخرى، نحن بشر، ولا يُعقل أن نعمل تحت هذا الضغط ثم نتعرض في الوقت نفسه للضرب والإهانة”.

وأكد الدكتور “أ.ف”، استشاري الجراحة: “المسألة ليست مجرد مشاجرة في الاستقبال، بل تؤثر على الخدمة الطبية ككل، عندما يشعر الطبيب بالتهديد، يفقد تركيزه في علاج المري. ولهذا، لا بد من وجود حماية أمنية فعلية داخل المستشفيات”.

واختتم الدكتور “ك.ر”، عضو مجلس نقابة الأطباء: “النقابة لن تسكت على تلك الاعتداءات، ونحن نطالب بتفعيل قانون تغليظ العقوبات، الطبيب ليس طرفًا في الأزمة، بل يعمل وفق الإمكانيات المتاحة له، واللوم يجب أن يُوجه إلى المنظومة الصحية لا إلى الأفراد”.

حالة واقعية الاعتداء في مستشفى السيد جلال

لم تتوقف الاعتداءات عند حدود المشادات الكلامية أو المناوشات البسيطة، بل وصلت في بعض الأحيان إلى جرائم مكتملة الأركان، ففي أغسطس 2025، شهد مستشفى السيد جلال الجامعي في منطقة باب الشعرية واقعة خطيرة، حيث اعتدى أحد مرافقي المرضى على طبيب امتياز يُدعى “محمد بسيوني” داخل قسم الطوارئ، مستخدمًا مشرطًا طبيًا، مما أسفر عن إصابته بجرح قطعي غائر في الوجه.

وقد أثارت الحادثة جدلًا واسعًا داخل الأوساط الطبية، ووصفتها نقابة الأطباء بأنها “اعتداء إجرامي”، مؤكدة أنها ستتابع القضية قانونيًا حتى نهايتها، وألقت قوات الأمن القبض على المعتدي، فيما أمرت النيابة العامة بحبسه خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات بعد مراجعة كاميرات المراقبة والاستماع إلى أقوال الشهود.

وأعرب الطبيب المصاب عن استيائه مما جرى، مشيرًا إلى أن المريض كان تحت تأثير مواد مخدرة، وأن أفراد الأمن الداخلي لم يتدخلوا في الوقت المناسب لاحتواء الموقف، وقد جددت الواقعة مطالب الأطباء بضرورة وجود حماية فعلية داخل المستشفيات، باعتبار أن حياتهم مهددة أثناء أداء واجبهم الإنساني.

الموقف الرسمي والإحصائيات

سجلت نقابة الأطباء أكثر من 100 بلاغ باعتداء خلال العام الأخير، معظمها في أقسام الطوارئ، أعلنت وزارة الصحة عن دراسة لتأمين المستشفيات عبر نقاط شرطة ثابتة، وتشير تقارير غير رسمية إلى تزايد نسبة الأطباء الذين يفكرون في الاستقالة أو السفر للخارج بسبب تلك الاعتداءات.

الإجراءات المطلوبة

أكدت نقابة الأطباء ضرورة وجود نقطة شرطة ثابتة في كل مستشفى عام أو مركزي، لضمان التدخل الفوري في حالات الاعتداء، كما شددت على أهمية تغليظ العقوبات على المعتدين لتصل إلى الحبس الفعلي، باعتبار أن الاعتداء على الطبيب هو اعتداء على موظف عام أثناء تأدية عمله.

رأي خبراء الاجتماع

قال الدكتور “أ.ع”، أستاذ علم الاجتماع: “هذه الاعتداءات تعكس أزمة ثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وما يحدث داخل أقسام الطوارئ صورة مصغرة من حالة الغضب الاجتماعي الناتجة عن الإهمال والبيروقراطية لذلك، لا بد أن تركز الدولة على تحسين بيئة المستشفيات وتوفير إمكانيات كافية”.

تظل أقسام الطوارئ خط الدفاع الأول عن حياة المصريين، غير أن استمرار الاعتداءات يهدد بانهيار المنظومة الطبية ويزرع الإحباط في نفوس الأطباء. وبين المطالب بزيادة الحماية وتشديد العقوبات، يبقى الحل الجذري في تحسين مستوى الخدمة الصحية وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية احترام دور الطبيب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى