قمة الدوحة: الدبلوماسية العربية في اختبار بعد الضربة الإسرائيلية
قطر بين دور الوسيط وضغوط الداخل بعد الضربة الإسرائيلية

تقرير – رحمة عماد
مقدمة
أعادت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة من حركة حماس في الدوحة خلط المشهد الإقليمي، لتوسّع دائرة التصعيد إلى خارج غزة. وأعلن نتنياهو تحمّله المسؤولية مؤكداً أن “لا حصانة لقادة حماس”، فيما وفّرت واشنطن غطاءً سياسيًا عبر تصريحات وزير خارجيتها. وتستضيف الدوحة قمة عربية إسلامية طارئة وسط غضب شعبي ورسمي واسع. القمة تضع قطر أمام اختبار صعب بين دورها كوسيط وضغوط الداخل للرد على “الانتهاك السافر لسيادتها”.
المشهد العام

جاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها تحمّل إسرائيل “المسؤولية الكاملة” عن الهجوم الذي استهدف قادة من حركة “حماس” في العاصمة القطرية الدوحة، لتفتح جبهة سياسية وأمنية جديدة تتجاوز حدود غزة، في ذات الوقت الذي فيه شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على “إنهاء وجود حماس ككيان مسلح”، معتبرًا أن وجودها يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط.
هذه المواقف المتزامنة ترافقت مع انطلاق قمة عربية إسلامية طارئة في الدوحة، جاءت كاستجابة جماعية لمحاولة صياغة موقف موحّد إزاء الهجوم غير المسبوق داخل دولة خليجية لطالما لعبت دور الوسيط في الصراعات الفلسطينية – الإسرائيلية.
دلالات الموقف الإسرائيلي الأميركي

توجّه إسرائيل من خلال تصريحات نتنياهو رسالة مباشرة إلى حركة “حماس”، مفادها أن دائرة المواجهة لم تعد محصورة في غزة، بل بات قادتها مهددين أينما وجدوا. وفي المقابل، يكشف تصريح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حول “إنهاء وجود حماس” عن انسجام واضح في الأهداف بين واشنطن وتل أبيب، حتى وإن اختلفت أساليب التنفيذ. أما قطر، فقد وجدت نفسها في قلب المشهد، إذ يركّز الخطاب الأميركي على دورها في تحرير المحتجزين الإسرائيليين، بما يعكس رغبة واشنطن في الإبقاء على قنوات التواصل معها مفتوحة، رغم الإحراج السياسي الكبير الذي أحدثته الغارة على أراضيها.
التحدي القطري
قطر تجد نفسها اليوم أمام اختبار غير مسبوق: فهي مستهدفة رمزيًا عبر الهجوم الإسرائيلي الذي ضرب أرضها لأول مرة بهذا الشكل، وفي الوقت نفسه، مطلوبة أميركيًا لمواصلة دور الوساطة بين إسرائيل وحماس، ما يضعها بين خيارين متناقضين: حماية صورتها كوسيط نزيه أو الاستجابة للغضب العربي والإسلامي الداخلي.
القمة العربية الإسلامية: فرص وتحديات

انعقاد القمة في الدوحة يعطيها زخماً مضاعفاً، لكن النتائج تبقى رهناً بمواقف الدول المشاركة:
إيران وتركيا: تحضران بثقل سياسي وعسكري، وقد تدفعان باتجاه مواقف أكثر صدامية مع إسرائيل.
الدول الخليجية: غاضبة من انتهاك إسرائيل للأعراف، لكنها مترددة في الذهاب بعيداً في التصعيد الاقتصادي أو السياسي، بينما تسعى السلطة الفلسطينية لتعزيز شرعيتها في ظل تصاعد دور حماس.
موقف الفصائل الفلسطينية: مطالبتها بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك واستخدام سلاح النفط يعكس سقفاً عالياً من التوقعات، لكن مدى استجابة القادة لهذه المطالب يبقى محدودًا.
السيناريوهات المحتملة
أمام القمة العربية الإسلامية في الدوحة عدة مسارات محتملة، تتراوح بين المواقف الرمزية والخطوات التصعيدية، ومنها: بيان سياسي قوي بلا خطوات عملية وفيه يُرجّح أن تكتفي القمة بإصدار موقف حازم في صياغته، لكن من دون آليات تنفيذية واضحة، بسبب تباين مصالح وأولويات الدول المشاركة.
تصعيد اقتصادي أو دبلوماسي محدود: قد تلجأ بعض العواصم إلى فرض مقاطعة أو عقوبات رمزية على إسرائيل، في محاولة للتعبير عن الغضب الشعبي دون الدخول في مواجهة شاملة.
مراجعة قطرية للدور الوسيط: إذا تصاعدت الضغوط الداخلية والإقليمية، قد تميل الدوحة إلى تقليص حضورها كوسيط مباشر بين إسرائيل وحماس، حفاظاً على توازنها السياسي.
مواقف وردود أفعال دولية وإقليمية على الهجوم الإسرائيلي

– رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وصف الممارسات الإسرائيلية بأنها “تقوّض جهود الوساطة التي تبذلها الدوحة، بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة، لإنهاء الحرب في غزة”، مؤكداً أن الهجوم الإسرائيلي على قيادات حماس بدلاً من أن يحقق أهدافه، فإنه يضعف فرص التهدئة.
– وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو
إن القضاء على قادة حركة حماس في قطر “سيزيل عقبة رئيسية” أمام التوصل إلى اتفاق بخصوص الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن.
– وتشير مسودة قرار القمة العربية الإسلامية إلى أن الهجوم على قطر والعمليات الإسرائيلية الأخرى تشكّل “تهديدًا جديًا لجهود التطبيع والعلاقات بين إسرائيل والدول العربية”، محذّرة من أن الاستمرار في تلك السياسات الإسرائيلية من تطهير عرقي، حصار، استيطان وغيرها من السياسيات القامعة قد يُعرض الاتفاقيات القائمة والمستقبلية للخطر.
كما أعلنت الأمم المتحدة “مجلس حقوق الإنسان” عن عقد جلسة طارئة لمناقشة الضربة الإسرائيلية ضد قطر، بناءً على طلب من باكستان والكويت ومنظمة التعاون الإسلامي، في ظل اتهامات بانتهاك للقانون الدولي وخرق للسيادة القطرية.
اتجاهات الرأي العام العربي تجاه الحرب على غزة
يتجه نحو 77% من الرأي العام العربي الولايات المتحدة وإسرائيل هما الأكثر تهديداً لأمن واستقرار المنطقة، و67% من المستطلعين في الرأي العام العربي يرون أن العمليات ضد إسرائيل في غزة هي “مقاومة مشروعة” بالإضافة إلى 92% يعبرون عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، من بينهم الذين يتفقون مع حماس وأولئك الذين يختلفون معها، لكنهم يظلون متضامنين مع الفلسطينيين عمومًا، وحوالي 94% من العرب يجدون أن موقف الولايات المتحدة من الحرب في غزة “سيئ” أو “سيئ جدًا”، و82% يقولون إنه “سيئ جدًا”.
خاتمة
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة تجاوز كونه عملية عسكرية إلى كونه زلزالاً سياسياً أصاب التوازنات الإقليمية. وفيما تراهن إسرائيل على الدعم الأميركي غير المشروط، تجد الدول العربية والإسلامية نفسها أمام لحظة اختبار حاسمة: هل ستترجم إداناتها إلى إجراءات عملية، أم ستبقى في إطار المواقف التقليدية؟
الجواب سيتضح من نتائج قمة الدوحة، لكن المؤكد أن المعادلة القديمة لم تعد قائمة، وأن المنطقة تدخل مرحلة جديدة قد تعيد رسم أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.