البرنامج النووي الإيراني تحت الاختبار الأوروبي
إيران بين التفاهمات والتهديد بوقف التعاون

تقرير – رحمة عماد
مقدمة
يشهد الملف النووي الإيراني منعطفًا جديدًا مع سعي طهران لتفادي إعادة فرض العقوبات الدولية عليها، في ظل اتصالات مكثفة بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظرائه الأوروبيين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بمشاركة كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
والاتصال يأتي قبل أيام قليلة من انتهاء المهلة الأوروبية الممنوحة لإيران لحل القضايا العالقة، ما يجعل اللحظة الراهنة اختبارًا حقيقيًا للدبلوماسية بين الطرفين.
الموقف الإيراني: مشروطية التعاون

أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن التفاهم الموقع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة الأسبوع الماضي قد يسقط إذا أقدمت القوى الكبرى على خطوات عدائية مثل فرض عقوبات جديدة.
ترى إيران وفقًا لما قاله بقائي، أن الكرة الآن في الملعب الأوروبي: فإذا كان هناك حسن نية والتزام بالتعهدات، يمكن للتفاهم أن يشكل قاعدة للتعاون المستقبلي. أما في حال الاستمرار في الضغط والابتزاز، فإن طهران لن تبقى ملزمة به.
ويرى محللون أن طهران تعتمد سياسة “التصعيد المحسوب”، أي التلويح بوقف التعاون الفني والرقابي مع الوكالة كورقة ضغط على الأوروبيين.
الأوروبيون بين التهدئة والتشدد

من الجانب الأوروبي، أجرى عراقجي محادثة هاتفية مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو، الذي شدد على ضرورة تجنب التصعيد والحفاظ على مسار الدبلوماسية. لكن الأوروبيين يلوّحون في الوقت نفسه باستكمال آلية “سناب باك”، التي تعني إعادة فرض العقوبات الأممية بشكل تلقائي دون الحاجة إلى تصويت في مجلس الأمن.
هنا يظهر التناقض: رغبة أوروبية في الحوار، لكنها مشروطة بإثبات إيران جدية أكبر في التعاون، خصوصًا بعد تقارير عن تصعيد أنشطة تخصيب اليورانيوم.
أبعاد أميركية وإسرائيلية
لا تزال الولايات المتحدة تضغط في الخلفية، حيث أشار وزير الطاقة الأميركي مؤخرًا إلى قلق بلاده من استمرار طهران في التخصيب، بينما تواصل إسرائيل التحذير من “الخطر الوجودي” للبرنامج النووي الإيراني، وتؤكد أنها لن تتردد في استهداف منشآت نووية إذا لزم الأمر.
وكانت إسرائيل وواشنطن قد نفذتا هجمات على منشآت نووية إيرانية في يونيو الماضي، ما أدى إلى تعليق بعض عمليات التفتيش الدولية. وردًا على ذلك، طالبت طهران بآلية دولية لحظر أي هجمات عسكرية على المرافق النووية.
آراء محللين وسياسيين
وأوضح الدكتور فريد العلي، خبير في الشؤون الإيرانية قائلًا: “إيران تستخدم تكتيك كسب الوقت عبر التفاهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها في الواقع تسعى لتأجيل أي عقوبات أممية جديدة بانتظار ما ستؤول إليه الانتخابات الأميركية المقبلة، إذ تراهن على تغير السياسة في واشنطن.”
وقال الخبير الأوروبي مايكل روتر: “الأوروبيون يواجهون معضلة: إذا تخلوا عن آلية سناب باك فقد يُتهمون بالتساهل مع إيران، وإذا فعّلوها سيدفعون طهران إلى الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي. هذا توازن دقيق بين العصا والجزرة.”
وأوضحت النائبة الإيرانية الإصلاحية ليلى زاده: “لا بد أن تتعامل أوروبا مع إيران بمنطق الشراكة، لا بمنطق العقوبات. الضغوط لن تغير سياسة طهران النووية، بل قد تدفعها إلى تسريع التخصيب.”
وأشار المحلل السياسي المصري أحمد الدسوقي قائلًا: “وجود كايا كالاس في الاتصال يعكس رغبة أوروبية في إبقاء الاتحاد على خط الأزمة وعدم تركها بيد الدول الكبرى منفردة. لكن الواقع أن الموقف الأوروبي يظل رهينة للموقف الأميركي والإسرائيلي.”
المشهد المتوقع حدوثه
المشهد الحالي يوضح أن الاتفاق النووي لعام 2015 يعيش على أنفاسه الأخيرة. فإذا مضت أوروبا في تفعيل “سناب باك”، فإن التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية سيتوقف على الأرجح، ما قد يعيد المنطقة إلى مربع المواجهة المفتوحة.
في المقابل، إذا نجح عراقجي في إقناع الأوروبيين بتأجيل العقوبات، فقد يُفتح المجال لجولة تفاوضية جديدة، لكنها ستكون محفوفة بالشكوك والتجاذبات الإقليمية، خصوصًا مع استمرار إسرائيل في التهديد بالتصعيد العسكري.
المحادثات الهاتفية المقبلة ليست مجرد “اتصال بروتوكولي”، بل معركة دبلوماسية حقيقية تحدد ما إذا كان الملف النووي الإيراني سيتجه إلى طاولة الحوار أو إلى أروقة مجلس الأمن مجددًا.
خاتمة
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن الملف النووي الإيراني يقف عند مفترق طرق حاسم؛ فإما أن تنجح الجهود الدبلوماسية في إبقاء باب الحوار مفتوحًا، ولو بشكل محدود، أو أن تنزلق الأزمة نحو مرحلة أكثر تعقيدًا مع عودة العقوبات الأممية وتصاعد التوتر العسكري. وبين حسابات طهران ورهانات الأوروبيين وضغوط واشنطن وتل أبيب، يظل مستقبل الاتفاق النووي معلقًا على خيط رفيع من التوازنات الهشة، حيث قد تحدد الأسابيع القليلة المقبلة ملامح المشهد الإقليمي برمّته.