التنمّر.. جرح صامت يهدد الأطفال والشباب في صمت
دور الأسرة في الوقاية من التنمّر وحماية الأبناء

تقرير ـ مريم محمد
مقدمة
لم يعد التنمر مجرد مشاجرات عابرة بين الطلاب أو سلوكيات طفولية عادية، بل أصبح مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد الصحة النفسية والجسدية للضحايا، وتؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم الدراسي والمهني، ومع اتساع وسائل التواصل الاجتماعي، انتقل التنمّر من ساحات المدارس إلى العالم الافتراضي، ليأخذ أشكالًا أكثر قسوة وتأثيرًا.
أشكال التنمر المتعددة بين الجسدي والنفسي والإلكتروني
يتخذ التنمّر صورًا مختلفة، منها التنمّر الجسدي كالضرب والدفع، والنفسي مثل السخرية والاستهزاء، بجانب التنمّر الإلكتروني الذي أصبح الأخطر، حيث يتم عبر الهواتف ومواقع التواصل، ليلاحق الضحية في كل وقت ومكان.
إحصائيات صادمة عن انتشار التنمّر بين الطلاب
أظهرت تقارير منظمة “يونيسف” أن ما يقرب من واحد من كل ثلاثة طلاب حول العالم يتعرض لشكل من أشكال التنمّر داخل المدارس، وفي مصر، كشفت دراسات محلية أن أكثر من 70% من الطلاب واجهوا مواقف تنمّر على الأقل مرة واحدة خلال العام الدراسي.
الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة للتنمّر
لا يتوقف تأثير التنمّر عند حدود لحظة الإيذاء، بل يمتد ليزرع الخوف والقلق والاكتئاب في نفوس الضحايا، وقد يصل إلى العزلة الاجتماعية، وضعف التحصيل الدراسي، وأحيانًا التفكير في الانتحار كحل للهروب من المعاناة المستمرة.
دور الأسرة في الوقاية من التنمّر وحماية الأبناء
تؤكد الدراسات أن الدعم الأسري يعد خط الدفاع الأول ضد التنمّر، حيث يحتاج الأبناء إلى مساحة من الحوار والثقة مع الوالدين، ليتمكنوا من الإفصاح عن معاناتهم دون خوف أو تردد، مع تعليمهم كيفية مواجهة المتنمرين بثقة وحزم.
شهادات حقيقية تكشف معاناة ضحايا التنمر
أحمد طالب بالمرحلة الإعدادية: “كنت بتعرض للسخرية من زمايلي عشان جسمي ضعيف، لدرجة إني بطلت أتكلم في الفصل وبقيت أحب العزلة، مكنتش بقول لحد، بس بعد فترة جالي اكتئاب شديد واضطريت أروح لطبيب نفسي”.
سارة طالبة بالمرحلة الثانوية: “تعرضت للتنمر الإلكتروني لما نشروا صوري على الجروب بتاع المدرسة وسخروا مني، كنت بخاف أفتح الموبايل وببكي كل يوم، لو ماما مكانتش جنبي تدعمني، مكنتش هقدر أعدي المرحلة دي”.
يوسف طالب جامعي في الجامعة، “كان في ناس بيتريقوا على لهجتي المختلفة، وده خلاني أفكر إني أبطل أحضر المحاضرات، بس مع الوقت قررت أواجههم وماخليش كلمة تكسرني”.
آراء الخبراء حول كيفية التعامل مع ضحايا التنمّر
دكتورة منى عبد الله أستاذة علم النفس التربوي: “أخطر ما يتركه التنمّر هو الشعور بالدونية عند الطفل أو الشاب، مما يهدد ثقته بنفسه على المدى الطويل، العلاج يبدأ بالاستماع الجيد للضحية، وعدم التقليل من مشاعره، مع تدريبه على مهارات مواجهة المواقف بثقة”.
دكتور أحمد فوزي أخصائي الصحة النفسية: “لا بد من تدخل مبكر عند ملاحظة علامات الانعزال أو الخوف المستمر على الأبناء، تجاهل المشكلة يؤدي إلى تراكم الأزمات النفسية التي قد تصل إلى الاكتئاب أو التفكير في الانتحار”.
دكتورة هالة محمود خبيرة في علم الاجتماع: “التنمّر ليس مجرد مشكلة فردية، بل انعكاس لخلل في المجتمع والقيم التربوية، الحل يكمن في تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل، وتنظيم حملات توعية داخل المدارس والجامعات، مع إشراك الإعلام في نشر رسائل إيجابية”.
نحو مجتمع خالٍ من التنمّر
يؤكد الخبراء أن الطريق للحد من التنمّر يبدأ من نشر الوعي، وإعطاء مساحة للحوار داخل الأسرة والمدرسة، مع سن قوانين صارمة تردع المتنمّرين، حتى نتمكن من بناء مجتمع صحي آمن يحمي أبناءه من العنف النفسي والجسدي.
دور المدرسة في مواجهة الظاهرة وخلق بيئة آمنة
تتحمل المؤسسات التعليمية مسؤولية كبرى في وضع سياسات واضحة ضد التنمّر، تشمل توعية المعلمين والطلاب، وتطبيق برامج دمج نفسي واجتماعي، إضافة إلى تفعيل أنشطة جماعية تنشر روح التعاون بدلًا من الصراع.
تزايدت في السنوات الأخيرة حالات التنمّر عبر الإنترنت، حيث يتم نشر الشائعات أو الصور المسيئة، وهو ما يصعب السيطرة عليه نظرًا لسرعة الانتشار، مما يضاعف الأذى النفسي على الضحايا ويجعلهم يشعرون بالعجز أمام التهديد المستمر.
مبادرات مجتمعية للحد من الظاهرة وتعزيز القيم الإنسانية
أطلقت مؤسسات حكومية ومنظمات مجتمع مدني حملات توعية لمكافحة التنمّر في المدارس والجامعات، مثل مبادرة “أنا ضد التنمّر” التي لاقت تفاعلًا واسعًا من الطلاب وأولياء الأمور، مؤكدة أن مواجهة الظاهرة تحتاج إلى تعاون جماعي.
خاتمة
التنمّر ليس مجرد سلوك فردي، بل أزمة مجتمعية تتطلب تكاتف الأسرة والمدرسة والإعلام لردعها، حتى ينشأ جيل جديد يشعر بالأمان والثقة في نفسه، قادر على مواجهة الحياة دون خوف أو انكسار.