العرب والعالم

واشنطن ونظام مادورو: تصادم يقترب في الكاريبي

التوتر يتصاعد بين واشنطن وفنزويلا

تقرير: رحمة عماد

مقدمة

وسط الأزمات التي تعيشها فنزويلا، أعلن وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز عن انطلاق مناورات عسكرية واسعة، مستمرة لمدة 3 أيام في جزيرة لا أوركيلا الواقعة في البحر الكاريبي، وشملت هذه المناورات نشر قوات الدفاع الجوي، مسيرات مسلحة، ومسيرات مراقبة، بالإضافة إلى غواصات مسيرة ومعدات للحرب الإلكترونية، إلى جانب 12 سفينة حربية، 22 طائرة، و20 زروقًا صغيرًا من ميشيليات البحرية الخاصة.

الكاريبي ساحة مواجهة جديدة

جاء هذا التحرك بعد سلسلة أحداث أثارت التوتر بين كراكاس وواشنطن؛ إذ فجّرت قوات أميركية –في إطار ما وصفته بعمليات مكافحة المخدرات– قاربين فنزويليين وقتلت 14 شخصًا يشتبه في تورطهم بتهريب المخدرات عبر الكاريبي. هذه العملية أثارت انتقادات دولية، حيث وصفتها تقارير أممية بأنها بمثابة “إعدامات خارج نطاق القضاء”.

التوتر ازداد مع اعتراض الولايات المتحدة قارب صيد فنزويلي واحتجازه لساعات قرب المنطقة ذاتها، وهو ما دفع السلطات الفنزويلية إلى اتهام واشنطن بممارسة “اعتداءات مباشرة” على سيادتها، وربطها بمحاولات لتهيئة الأرضية لغزو محتمل.

في هذا السياق، ظهر الرئيس نيكولاس مادورو متوعدًا بأن بلاده ستدافع عن نفسها في مواجهة ما وصفه بـ”عدوان أميركي”، بينما جدّدت واشنطن موقفها بعدم الاعتراف بشرعيته، مع رصد مكافأة تصل إلى 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، وسط اتهامات متواصلة له بالتورط في شبكات تهريب المخدرات.

التصعيد الأميركي ضد نظام مادورو

ترى الولايات المتحدة أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يقود “نظامًا غير شرعي” متورطًا في الفساد وتهريب المخدرات، كما تستخدم واشنطن ملف “مكافحة المخدرات” مبرر لنشر قواتها البحرية قرب البحر الكاريبي، وشن عمليات ضد قوارب فنزويلية.أما عن الهدف غير المُلعن فهو الضغط على النظام لإضعافه داخليًا وعزله خارجيًا.

الأزمات الداخلية داخل فنزويلا

يمر الداخل الفنزويلي بأزمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الأميركية وانهيار أسعار النفط، ويحاول النظام “إظهار القوة العسكرية” عبر المناورات للتغطية على النظام الداخلي وما يعيشه من أزمات، وكرسالة تُبث للتعبئة الوطنية ضد “عدو خارجي”.

مادرو يعتمد على المؤسسة العسكرية كدرع وقاية

يعتمد مادورو على المؤسسة العسكرية كركيزة بقائه في السلطة، وبالمسيرات والصواريخ والمناورات يحاول من خلالهم تعزيز الولاء العسكري، وإظهار الاستعداد للتصدي لأي غزو محتمل.

للتحركات الأميركية أبعاد جيوسياسية وإقليمية وسياسية

تحاول واشنطن منع تحويل فنزويلا إلى “قاعدة متقدمة” لنفوذ روسيا والصين، اللتان تمدان نفوذهما عبر تحالف مع فنزويلا، وخاصة موسكو حيث دعمت فنزويلا عسكريًا وافتصاديًا، وتُعد العمليات الأمريكية في البحر الكاريبي سياسة تستهدف رأي النظام إلى جانب الأهداف الأمنية.

الصراع على الشرعية الدولية

في ظل عدم اعتراف واشنطن ودول أخرى بشرعية مادورو، يحاول هو إثبات أنه رئيسي شرعي قادر على “الدفاع عن السيادة”، وخاصة بعد العزلة الدولية التي تعرض لها مِن قبل واشنطن ودول أخرى.

السيناريوهات المُتوقع حدوثها

ستستمر المناورات من الجانب الفنزويلي بينما ستكتفي واشنطن بتزويد وجودها البحري والجوي في الكاريبي، فستبقى المواجهة مفتوحة، في محاولة من كلا الطرفين لإظهار مدى قوتهما دخليًا وخارجيًا، لتُعد هذه الحرب مجرد حرب “استنزاف سياسية” وليست مواجهة مفتوحة.

وقد يتجه التصعيد بعمليات اعتراض واحتجاز متكرر للسفن أو القوارب، سواء من جانب الولايات المتحدة أو فنزويلا، وربما تسبب مثل هذه الحوادث سقوط ضحايا جدد، ما يزيد من حدة التوتر، واشتعال المنطقة بمواجهة أوسع.

وفي حال تصاعد التوتر، ربما تتدخل بعض الأطراف مثل الأمم المتحدة أو دول وسيطة مثل روسيا، الصين، أو حتى بعض حكام أمريكا اللاتينية، وذلك للحد من خطر الانفجار العسكري.

ويأتي السيناريو الأقل احتمالًا، وهو رؤية الولايات المتحدة للخطر الذي قد يتعرض له أمنها القومي أو مصالحها في المنطقة إذا استمر مادورو في نظامه، فتقوم بتهدئة الوضع في المنطقة.

رؤى الخبراء: رسائل ردع أم صراع نفوذ؟

يرى محللون سياسيون أن المناورات العسكرية الفنزويلية في جزيرة لا أوركيلا تمثل رسالة ردع مزدوجة؛ فهي من جهة موجهة إلى الولايات المتحدة لإظهار استعداد كراكاس لمواجهة أي تدخل خارجي، ومن جهة أخرى تستهدف الداخل الفنزويلي لتعزيز صورة مادورو كـ”حامي السيادة”.

ويؤكد بعض الخبراء أن الولايات المتحدة لا تبحث عن حرب مفتوحة مع فنزويلا، بل تستخدم ورقة “مكافحة المخدرات” كغطاء لزيادة الضغط على النظام وإضعافه تدريجيًا. بينما يذهب آخرون إلى أن واشنطن تحاول منع تمدد النفوذ الروسي والصيني عبر البوابة الفنزويلية في منطقة تعتبرها تقليديًا مجالًا حيويًا لها.

في المقابل، يشير محللون لاتينيون إلى أن مادورو يعتمد على التصعيد العسكري كوسيلة لـ”إعادة توحيد المؤسسة العسكرية حوله” وتصدير الأزمة الداخلية للخارج. ومع ذلك، يرون أن كراكاس لا تملك القدرات الكافية لمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وبالتالي تبقى استراتيجيتها دفاعية ورمزية أكثر من كونها عملية هجومية فعلية.

خاتمة

وتبقى الاحتمالات مفتوحة حول الصراع بين قوى تحاول إثبات شرعيتها وقوى أخرى تحاول الحفاظ على نفوذها في المنطقة، وأثبتت الأحداث أنها ليست مجرد مواجهة عن تفجير قوارب أو مناورات عسكرية، بل إنها أعمق من ذلك، فهل المواجهة ستؤدي إلى تهديد استقرار الكاريبي بأسره أم يستطيع مادورو تعزيز موقفه داخليًا وخارجيًا، وهل ستبقى واشنطن مستخدمة ورقة “مكافحة المخدرات” كمبرر لأفعالها أم ستتجه الإنظار إلى ما وراء السبب المُعلن.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى