قاعدة باغرام.. ورقة صراع جديدة بين واشنطن وبكين وموسكو
بين طالبان وواشنطن.. من يحدد مستقبل القاعدة الجوية؟

تقرير: رحمة عماد
مقدمة
عادت قاعدة باغرام الجوية لتتصدر المشهد مجددًا، كرمز لصراع النفوذ بين واشنطن وبكين وموسكو، وسط تنافس على الموقع الجغرافي والثروات الطبيعية في قلب آسيا الوسطى.
الأهمية الجغرافية لقاعدة باغرام

تتمتع قاعدة باغرام الجوية بأهمية جغرافية استثنائية، إذ تبعد ساعة واحدة فقط عن غرب الصين، وتتيح للولايات المتحدة مراقبة مباشرة لكل من روسيا، إيران، باكستان.
التنافس الأميركي – الصيني والرهان على آسيا الوسطى
ومع تصاعد التوتر بين الصين وروسيا، تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد موطئ قدم جديد في المنطقة، لموازنة النفوذ الصيني والروسي، وإعادة فتح ملف باغرام من بعد خسارتها عام 2021، يكشف رغبة أميريكية واضحة في إعادة التموضع الاستراتيجي.
وإشارة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي إلى قرب القاعدة من منشآت الأسلحة النووية تعكس القلق الأميركي من تمدد نفوذ بكين في المنطقة، وخاصةً مع تزايد استثمارات الصين في أفغانستان.
لا تقتصر أهمية القاعدة على بعدها العسكري فقط بل تُعد منفذًا مباشرًا لثروات طبيعية هائلة كالنحاس، الليثيوم والمعادن النادرة، التي تشكل العمود الفقري للصناعات المختلفة، مثل: التكنولوجيا، الطاقة النظيفة، التي تمثل جوهر الصراع بين الصين وواشنطن، وفقًا لتسريبات CNN.
يحاول ترامب استغلال ملف قاعدة باغرام لتعزيز صورته كزعيم يعيد للأميركيين مجدهم المفقود، بعد الانسحاب الفوضوي في عهد بايد، في ظل الاتهامات الموجهة إليه من قاعدته الشعبية عن تراجع النفوذ الأميركي بالخارج.
اتفاقية الدوحة وتناقض المواقف الأميركية

ورغم أن استعادة قاعدة باغرام تتناقض مع اتفاقية الدوحة التي وقّعها ترامب بنفسه، والتي نصّت على انسحاب أميركي كامل من أفغانستان، إلا أن ترامب يوظف هذا الملف سياسيًا. فهو يعتبر أن قرار الانسحاب كان صحيحًا في جوهره، لكن طريقة تنفيذه في عهد بايدن اتسمت بالفوضوية. وبهذا يحمّل بايدن مسؤولية الخسارة، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام إمكانية العودة تحت شعار “المصلحة القومية الأميركية.
الموقف الأفغاني: طالبان والشرعية الوطنية
يُقابَل ملف استعادة قاعدة باغرام برفض قاطع من الجانب الأفغاني، سواء من حركة طالبان أو وزارة الخارجية، إذ يصرّ الطرفان على رفض أي وجود عسكري أجنبي داخل البلاد بدعوى حماية السيادة الوطنية. وتستغل طالبان هذا الموقف لتعزيز شرعيتها داخليًا، عبر تقديم نفسها كحارس للسيادة في مواجهة كلٍّ من الولايات المتحدة والصين.
لكن عودة واشنطن إلى أفغانستان لا تقتصر تداعياتها على الداخل، بل تمتد إقليميًا لتثير حساسيات مع كل من روسيا وإيران، اللتين تعارضان بشدة أي وجود عسكري أميركي قرب حدودهما. كما قد ينعكس الأمر على باكستان، الحليف التقليدي في الملف الأفغاني، والتي باتت في السنوات الأخيرة أكثر ميلًا للتقارب مع الصين.
الرأي العام الأميركي تجاه الحرب والانسحاب من أفغانستان
أظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أن الرأي العام ما زال متأثرًا بتجربة الحرب الطويلة في أفغانستان. فقد أيّد نحو 70% من الأميركيين الانسحاب الكامل بحلول سبتمبر 2021، فيما رأى 62–66% أن الحرب لم تكن تستحق القتال بعد عقدين من التدخل العسكري.
كما اعتبر 54% من المواطنين أن قرار الانسحاب كان صائبًا مقابل 42% وصفوه بالخطأ، بينما اتفق 65% من الجمهوريين والديمقراطيين على أن التكلفة البشرية والمالية للحرب تجاوزت أي مكاسب متحققة.
تحذيرات ومواقف دولية: بين واشنطن وبكين
حذر مايكل ماكول رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، من أن الصين قد تستفيد من قاعدة باغرام، خصوصًا في الوصول إلى المعادن مثل الليثيوم.
كما أكد لين جيان المتحدث باسم الخارجية الصينية أن قرار وجود أميركا في باغرام يجب أن يظل بيد الشعب الأفغاني، محذرًا من أن التصعيد لن يخدم الاستقرار الإقليمي.
خاتمة
تظل باغرام ورقة صراع معقدة؛ بين الطموح الأميركي والرفض الأفغاني، وبين هواجس القوى الإقليمية، ما يجعل مستقبلها اختبارًا لموازين القوى في المنطقة.