العرب والعالم

سد النهضة بين الطموح الوطني والتوترات الإقليمية المستمرة

تاريخ ضائع منذ استقلال إريتريا عام 1993 يعيد إثيوبيا إلى مربع "الحلم البحري"

تقرير: رحمة عماد

 

مقدمة

تسعى إثيوبيا دائمًا لتعزيز قوتها الاقتصادية، ويأتي سد النهضة كأبرز مشاريعها لتحقيق هدف إقليمي لوجستي، ولكن هذه الخطوة تواجه رفضًا من أطراف إقليمية خشية تهديد اسقرار المنطقة، فهل سيكون سد النهضة بوابة لإثيوبيا نحو النفوذ الاقتصادي واللوجستي، أم عقبة تعمّق التوترات الإقليمية؟

رئيس الوزاء الإثيوبي آبي أحمد

آبي أحمد ومحاولة تصحيح الخطأ التاريخي

تتعدد الأسباب وراء تصريح آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي أعلن عزمه على استعادة منفذ بحري عبر ميناء عصب الإريتري. ومن الجانب التاريخي، يأتي هذا التصريح في إطار محاولة لتصحيح “خطأ تاريخي”، إذ فقدت إثيوبيا الوصول المباشر إلى البحر الأحمر بعد استقلال إريتريا عام 1993، لتصبح بذلك دولة حبيسة.

التكلفة المرتفعة للتجارة الخارجية الإثيوبية

من الناحية الاقتصادي، تعتمد إثيوبيا على استيراد وتصدير كميات كبيرة من السلع، ما يجعل حاجتها لمنفذ بحري مباشر تزداد، لتقليل تكاليف النقل وتسريع حركة التجارة.

سد النهضة

سد النهضة كجزء من شبكة لوجستية ضخمة ومع تدشين سد النهضة، ترى إثيوبيا حاجتها لامتلاك بنية تحتية لوجستية قوية، باعتبار أن الإنتاج الكهربائي والاقتصادي مرشح للنمو، وفقًا لتوقعاتها.

وترى إثيوبيا أن السيطرة على منفذ بحري في البحر الأحمر سيمنح لها قوة اقتصادية، الذي يعد أحد أهم طرق التجارة العالمية، كما يمكن أن تستخدم تصريحاتها كوسيلة لتعزيز قوتها الإقليمية أمام إريتريا وجيران آخرين، في ظل النزاعات القائمة حول تيغراي وحدود الدولة.

يعد تدشين سد النهضة مشروعً وطنيًا، يمنح آبي أحمد قبولًا شعبيًا واسعًا، وإلى جانب ذلك، فإن النمو السكاني والتمدن المستارع يجعلان إثيوبيا في حاجة إلى قوة لوجستية تدعم تجارتها واقتصادها.

الموقف الإريتيري والانعكاسات الإقليمية

وموقف إريتريا الرافض لأي مطالب إثيوبية بالاقتراب من من البحر الأحمر، يعزز من احتمالات توتر العلاقات بين الطرفين، وإثارة الخلافات الدبلوماسية أو الصدمات العسكرية.

وبالرغم من توقيع اتفاقية السلام 2018، ثم اتفاق بريتوريا لاحقًا، إلا أنها لم تحقق استقرارًا كاملًا، ما يجعل الصراع الإقليمي على حافة الانفجار.

قد تؤدي التصريحات إلى تصعيد دبلوماسي أو عسكري مع إريتريا، وخصوصًا مع رفضها القاطع لهذه المطالب، واعتبارها تهديدًا لاستقرار المنطقة. أما إثيوبيا فسيفتح لها أبوابًا لفرص جديدة للتجارة الدولية، وقليل تكاليف النقل، ودعم مشاريع التنمية مثل سد النهضة.

وتواجه تلك الخطوة ببعض الانتقادات؛ خوفًا من الصراعات الخارجية، ومن زاية أخرى فهناك أيضًا دعم شعبي واسع للمشروع، باعتباره رمزًا للسيادة الوطنية والطموح الاقتصادي.

ستلجأ إثيوبيا إلى محاولات لإعادة ترتيب العلاقات مع دول البحر الأحمر وجيرانها، لتحقيق الطموح البحري الخاص بها والاسقرار الإقليمي.

وقد يؤثر الخلاف على المنفذ على المشروعات مشتركة مثل اتفاقيات التجارة والطاقة، وإعادة التفكير في آليات التعاون بين إثيوبيا وإريتريا ودول أخرى في المنطقة.

يعتبر بعض الباحثين أن تصريحات آبي أحمد حول البحر الأحمر جزء من استراتيجية لتعزيز النفوذ السياسي داخليًا وخارجيًا، أكثر من اعتبارها خطة عملية قابلة للتنفيذ قريبًا.

رفض إريتريا لأي تقارب إثيوبي مع البحر الأحمر يُظهر أن المنطقة قد تشهد سباق نفوذ إقليمي بين الجارتين.

وهناك من يرى أن إثيوبيا تستخدم هذه الورقة كوسيلة ضغط على جيرانها في ملفات أخرى، منها ملف الحدود وملف تيغراي.

ويرى خبراء الاقتصاد أن افتقار إثيوبيا لمنفذ بحري يرفع من تكاليف تجارتها الخارجية بنسبة كبيرة، حيث تضطر للاعتماد على موانئ جيبوتي. فيأتي المنفذ البحري كمنقذ يقلل زمن الشحن ويخفض النفقات، مما ينعكس على نمو الاقتصاد وتسريع حركة الاستثمار.

وتأتي تحليلات البعض بأن الهدف من مشروع سد النهضة هو بناء شبكة لوجستية كاملة (تجارة + طاقة + نقل)، ما تحقق لإثيوبيا عنصر القوة الإقليمية.

الإحصائيات تكشف: تكاليف النقل والتجارة تثقل كاهل الاقتصاد الإثيوبي

وبالاطلاع على بعض الإحصائيات، سنجد أن خلال ال10 شهور الأخيرة، أنتج السد أكثر من 2.700 جيجا واط ساعة، متجاوز الهدف المحتمل ب26%.

وتمثل تكلفة اللوجستيات والتجارة حوالي 22-27%من تكلفة المنتج النهائي في إثيوبيا، مما يجعل تكلفة الشحن والنقل أعلى بحوالي 60 % مقارنةً بالدول المجاورة.

خاتمة

تضع الامتيازات التي توفرها هذه الخطوة إثيوبيا والدول المجاورة أمام موقف معقد، إذ تسعى جميع الأطراف لتعزيز قوتها وتحقيق طموحها، فهل ستنتهي الجولة بصراع جديد أم يمكن التوصل لحل وسط يرضي الجميع؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى