
تقرير: سلسبيل وليد
مقدمة
أصبح موضوع المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من أبرز القضايا المطروحة على الساحة المصرية والعالمية خلال العقود الأخيرة، الهدف لا يقتصر على تحقيق العدالة الاجتماعية، بل يشمل أيضًا تحسين مؤشرات التنمية وتعزيز النمو الاقتصادي.
ويعتبر أن المساواة بين الرجال والنساء أحد أعمدة استراتيجيات التنمية المستدامة، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ في بعض المجالات، لا تزال الفجوة واسعة، والتحديات متشابكة بين التشريعات والفرص الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

الواقع الحالي: أرقام ودلالات
وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025، جاءت مصر ضمن أسوأ عشر دول عالميًا في مؤشر الفجوة بين الجنسين، حيث احتلت المرتبة 139 من بين 148 دولة، مشاركة المرأة في سوق العمل ما تزال منخفضة، إذ لا تتجاوز 18% من إجمالي القوى العاملة، فيما يؤكد البنك الدولي أن سد فجوة التوظيف بين الجنسين قد يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 56%.
ورغم استمرار التحديات الاقتصادية، شهد قطاع التعليم تحسنًا ملحوظًا، حيث انكمشت الفجوة في إتمام التعليم الابتدائي، وتفوقت الفتيات على الذكور في بعض المراحل الدراسية، أما على المستوى السياسي، فقد أطلقت الدولة استراتيجية وطنية لتمكين المرأة 2030، تستهدف تعزيز التمثيل البرلماني، تقليل البطالة بين النساء، وزيادة نسبة مشاركتهن الاقتصادية.

التحديات القائمة
لا يزال المشهد يواجه عقبات اجتماعية وثقافية راسخة، حيث تفرض الصور النمطية والأدوار التقليدية قيودًا على دور المرأة داخل الأسرة وسوق العمل، كما أن القوانين، رغم أهميتها، تعاني من ضعف التنفيذ، ما يحد من فعاليتها في مكافحة التمييز.
من ناحية أخرى، تعاني النساء من فجوة في الأجور وقلة فرص الترقية، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا بين الشابات، وانتشار العمل غير الرسمي الذي يحرم الكثيرات من التأمينات والحقوق القانونية.

المبادرات والإصلاحات
اتخذت مصر خطوات مهمة في السنوات الأخيرة، من أبرزها الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، التي وضعت أهدافًا واضحة في المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أُطلقت عدة مبادرات لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء، ومشروعات الإدماج المالي والادخار الرقمي مثل “تويشا” للنساء الريفيات.
وعلى صعيد الشراكات، تعاونت الدولة مع منظمات دولية كالأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان لدعم خطط التمكين، إضافة إلى تشريعات اجتماعية تهدف لدعم الأمومة وتحقيق التوازن بين العمل والأسرة.

توصيات لتعزيز المساواة
لتسريع وتيرة التغيير، هناك حاجة لتبني مجموعة من الإجراءات المتكاملة، أبرزها:
إصدار قانون شامل لمكافحة التمييز على أساس الجنس وضمان آليات فعالة لتطبيقه.
توسيع فرص العمل المرن، وتشجيع القطاع الخاص على تطبيق سياسات عادلة في الأجور والترقيات.
الاستثمار في التعليم والتدريب المهني، خصوصًا في المجالات غير التقليدية.
إطلاق حملات توعية لتغيير الصور النمطية عن أدوار النساء، مع إشراك الرجال كحلفاء في التغيير.
توفير خدمات رعاية أطفال بأسعار مناسبة، وتعزيز الحماية القانونية ضد العنف والتمييز.
متابعة دقيقة وشفافة لمؤشرات المساواة ونشر تقارير دورية لتقييم التقدم والتحديات.
خاتمة
تمكين المرأة ليس مجرد مطلب حقوقي، بل استثمار حقيقي في طاقات بشرية قادرة على دفع عجلة التنمية إلى الأمام، وبينما تقف مصر أمام تحديات اجتماعية وتشريعية واقتصادية، تظل الفرصة قائمة لتحويل الجهود إلى إنجازات ملموسة، بتحالف الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، يمكن أن تتحول المساواة من هدف مؤجل إلى واقع معاش بحلول عام 2030، ليصبح تمكين المرأة ركيزة أساسية في مسيرة التنمية الشاملة.