هجمات مسيرة غامضة تفتح نقاشًا حول أمن الدنمارك
الدنمارك بين اختبار أمني ورسائل سياسية مبطنة

تقرير: رحمة عماد
مقدمة
تصاعدت التساؤلات في الدنمارك بعد سلسلة حوادث تحليق طائرات مسيّرة فوق مطارات رئيسية، في خطوة أربكت الحركة الجوية وأثارت مخاوف أمنية وسياسية داخل أوروبا، فهل تمثل هذه الحوادث مجرد حوادث معزولة، أم أنها إشارة إلى مرحلة جديدة من التهديدات الأمنية غير التقليدية؟
أسباب محتملة وراء التحليق
تتعدد الاحتمالات التي تقف وراء تحليق طائرات مسيرة فوق عدد من مطارات الدنمارك هذا الأسبوع، وقد يتمثل الهدف من هذه الخطوة، هو جس نبض القدرات الدفاعية للدنمارك، وخاصةً أنها تُعد عضو فاعل في حلف الناتو.
ولا يمكن فصل تحليق الطائرات المسيّرة عن التوتر الإقليمي الناتج عن الحرب في أوكرانيا؛ فالمواجهات هناك دفعت أطرافاً عديدة إلى استخدام أساليب “الحرب غير المباشرة”، ومنها الضغط على دول أوروبية داعمة لكييف.
ومن جهة أخرى، يشير خبراء أمنيون إلى أن الهدف من هذه العمليات قد يكون خلق حالة خوف بين المدنيين وتعطيل الحياة العامة، دون اللجوء لاستخدام قوة عسكرية مباشرة.
الطائرات المسيّرة، بما تثيره من ذعر وارتباك، تمثل أداة مثالية في حرب نفسية تسعى إلى ضرب ثقة الشعوب في قدرة حكوماتها على تأمين المجال الجوي.
هناك احتمال آخر يتمثل في أن الحوادث ليست سوى تجارب تقنية لطرف دولي أو مجموعة منظمة. فالمسيّرات المستخدمة قد تحمل تقنيات جديدة يجري اختبارها في بيئة عملية، بعيداً عن ساحات الحرب التقليدية.
مثل هذه التجارب تمنح الجهات المطورة فرصة لفهم مدى فعالية الطائرات في تجاوز الدفاعات وكشف الثغرات الأمنية.
انعكاسات مباشرة على الدنمارك
أول التداعيات تمثل في إغلاق مطار آلبورغ الدولي، ثاني أكبر مطارات الدنمارك، لساعات طويلة، وهو ما انعكس على حركة الطيران وتعطيل مصالح المسافرين.
كما دفعت هذه التطورات الحكومة إلى رفع مستوى الاستنفار الأمني، وبدء تحقيقات واسعة بمشاركة الشرطة والاستخبارات والجيش.
إلى جانب ذلك، أعلنت كوبنهاغن أنها ستتجه إلى تطوير قدراتها التقنية لتعقب الطائرات المسيّرة وإسقاطها، وهو ما يكشف عن إدراك رسمي بأن مثل هذه الهجمات قد تتكرر مستقبلاً.
وعلى المستوى الأوروبي، عززت الحوادث شعور القلق، خاصة مع تسجيل وقائع مشابهة في بولندا ورومانيا، ما يجعل الظاهرة جزءاً من مناخ أمني مضطرب يتجاوز حدود دولة واحدة.
يشير خبراء الأمن الأوروبي إلى أن هذه الحوادث تهدف في المقام الأول إلى اختبار قدرة القارة على المواجهة، وتذكيرها بأن مطاراتها وبناها التحتية ليست محصنة.
بينما يرى محللون عسكريون دنماركيون أن تزامن الهجمات مع اقتراب قمة الاتحاد الأوروبي لا يمكن اعتباره مصادفة، بل يحمل رسالة سياسية موجهة لقادة القارة.
رسائل سياسية وحرب رمادية
أما باحثون في الاستراتيجيات الحديثة فيعتبرون الطائرات المسيّرة جزءاً من تكتيكات “الحرب الرمادية”، إذ تُستخدم لإرباك الخصم وتحدي مؤسساته الأمنية من دون ترك دليل مباشر على الفاعل الحقيقي.
تداعيات اقتصادية
وعلى الجانب الاقتصادي، يوضح خبراء النقل الجوي أن تعطيل المطارات لساعات قليلة قد تكون تكلفته المالية محدودة نسبياً، لكن تكرار مثل هذه الهجمات قد ينعكس سلباً على ثقة المستثمرين وصورة الاستقرار في أوروبا.
بيانات توضح حجم خطورة الموقف
وفقاً لتقديرات مراكز دراسات أوروبية، تم تسجيل أكثر من 120 حادثة متعلقة بالطائرات المسيّرة قرب منشآت حيوية في دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2022، معظمها في محيط مطارات أو قواعد عسكرية.
يوضح الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) أن تكلفة إغلاق مطار دولي بسبب طائرة مسيّرة قد تصل إلى 1.3 مليون دولار لكل ساعة توقف، تشمل خسائر شركات الطيران والمطارات والمسافرين.
في عام 2024، قُدّر حجم سوق الطائرات المسيّرة العسكرية عالميًا بما يتجاوز 16 مليار دولار، بزيادة تفوق 50% مقارنة بعام 2021، ما يعكس تحولها إلى أداة محورية في الصراعات الحديثة.
أما على مستوى الدنمارك، فتشير إحصاءات قطاع الطيران إلى أن مطاراتها تستقبل سنوياً أكثر من 30 مليون مسافر، ما يعني أن أي تعطيل يترك أثراً مباشراً على حركة الاقتصاد والسياحة.
خاتمة
تصاعدت التساؤلات في الدنمارك بعد سلسلة حوادث تحليق طائرات مسيّرة فوق مطارات رئيسية، في خطوة أربكت الحركة الجوية وأثارت مخاوف أمنية وسياسية داخل أوروبا.