
تقرير – ميريهان عماد سلاكه
مقدمة
تحولت عمالة الأطفال في مصر إلى أزمة اجتماعية صامتة تتفاقم عامًا بعد عام، حيث يضطر مئات الآلاف من الأطفال إلى ترك مدارسهم والاتجاه إلى العمل في سن مبكرة، ما بين الورش الصغيرة والحقول الزراعية وحتى شوارع المدن الكبرى، وبينما ترى بعض الأسر أن ذلك ضرورة اقتصادية، يحذر خبراء من أن استمرار الظاهرة يهدد المجتمع كله بخسارة أجيال جديدة.
ظاهرة تتفاقم في صمت
تنتشر عمالة الأطفال في الورش الصناعية الصغيرة، والمصانع، والمزارع، وحتى في الشوارع كباعة متجولين أو عمال خدمات، ورغم وضوحها في المجتمع، إلا أن التعامل معها غالبًا ما يكون بالصمت أو التجاهل. كثير من الأسر تعتبر عمل الطفل “ضرورة” لا خيارًا، بينما يرى أصحاب الأعمال أن الأطفال وسيلة رخيصة للعمالة المطيعة.
أرقام تكشف حجم الكارثة
وفقًا لإحصائيات منظمة العمل الدولية لعام 2024، يعمل أكثر من 1.6 مليون طفل مصري في مهن مختلفة، بينهم ما يزيد على 60% في قطاع الزراعة، بينما يتوزع الباقون بين الورش الصناعية، والمصانع الصغيرة، والأعمال الحرة في الشوارع، دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية أوضحت أن 40% من الأطفال العاملين يتركون مقاعد الدراسة في سن مبكرة، وهو ما يفاقم معدلات الأمية ويضعف فرص التنمية البشرية في المستقبل.
لماذا يزداد اعتماد الأسر على عمل الأطفال؟
الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار دفعت الكثير من الأسر الفقيرة للاعتماد على دخل أبنائها، ضعف الوعي المجتمعي بخطورة الظاهرة على مستقبل الأطفال، قصور الرقابة في تطبيق قوانين العمل التي تحظر تشغيل من هم دون الخامسة عشرة، تسرب الأطفال من التعليم بسبب ضعف الإمكانيات المدرسية خاصة في القرى والنجوع.
آراء الخبراء
أستاذ جامعي في علم الإجتماع “عمالة الأطفال هي انعكاس مباشر للفقر، وإذا لم تُحل المشكلة جذريًا عبر خطط اقتصادية شاملة، فسوف تبقى الظاهرة باقية”.
الخبيرة التربوية د. هالة عبد الرحمن: “الأطفال الذين يُجبرون على ترك الدراسة يواجهون صعوبة في العودة مرة أخرى، ولهذا يجب ابتكار حلول بديلة مثل مدارس المجتمع أو التعليم المرن”.
المحامي محمد السعيد – ناشط حقوقي: “القوانين موجودة لكنها لا تُطبق بصرامة، وأصحاب العمل يفضلون الأطفال كعمالة رخيصة يسهل استغلالها”.
الأبعاد الصحية والاجتماعية
الأطفال الذين يعملون في الورش والمصانع يتعرضون لمخاطر صحية عديدة مثل أمراض العمود الفقري وضعف النظر والتسمم بسبب التعامل مع مواد كيميائية، وعلى المستوى الاجتماعي، تسهم الظاهرة في إعادة إنتاج الفقر عبر الأجيال، إذ يكبر هؤلاء الأطفال بلا تعليم أو مهارات كافية، فيبقون أسرى أعمال بسيطة بأجور زهيدة.
آثار نفسية تمتد للمستقبل
لا تقتصر خطورة عمالة الأطفال على الجانب المادي أو الصحي فقط، بل تمتد لتشكل جروحًا نفسية عميقة قد تلازم الطفل طوال حياته، إذ يعاني كثير منهم من فقدان الثقة بالنفس، والشعور بالدونية مقارنةً بأقرانهم، بالإضافة إلى تعرضهم المستمر للإهانة أو الاستغلال، ويرى خبراء علم النفس أن هؤلاء الأطفال غالبًا ما يكبرون وهم يحملون مشاعر الغضب والاغتراب عن المجتمع، ما قد يؤدي إلى انحرافات سلوكية أو صعوبة في بناء علاقات سوية لاحقًا.
مقارنات ودروس من الخارج
تشير تقارير اليونيسف إلى أن عمالة الأطفال تنتشر بشكل واسع في دول مثل الهند وبنجلادش، لكنها تراجعت نسبيًا بفضل خطط قومية واضحة لدمج الأطفال في التعليم وتقديم دعم مالي مباشر للأسر الفقيرة، وهو ما يطرح تساؤلًا حول إمكانية تطبيق تجارب مشابهة في مصر.
خاتمة
يُشار إلى أن استمرار عمالة الأطفال دون حلول عملية سيؤدي إلى خسارة جيل كامل من الطاقات البشرية التي كان يمكن أن تسهم في بناء الوطن. والسؤال المطروح: هل نمتلك الإرادة الكافية لاتخاذ قرارات حاسمة تنقذ الأطفال من هذه الدائرة المغلقة؟