الاجتماعياتمقالات
أخر الأخبار

“الطلاق الإلكتروني: عندما تنتهي الزيجة برسالة

تقرير : سلسبيل وليد جوده 

مُقدمة

في عصر التواصل الرقمي والهواتف الذكية والتطبيقات، طفت على السطح ظاهرة جديدة يختلط فيها الحديث الفقهي والقانوني والاجتماعي، ألا وهي “الطلاق الإلكتروني” أي أن يُلغي الزوج الزواج بلفظ أو فعل عبر رسالة نصية أو محادثة عبر الإنترنت أو البريد الإلكتروني .

السياق والتعريف

ما هو الطلاق الإلكتروني؟

يعرفه بعض الفقهاء بأنه حل رابطة الزواج بلفظ مقصود من الزوج صراحة أو كناية أو بالفعل الصريح أو الكنائي عبر وسائل الاتصال الحديثة، كالاتصالات الخلوية، الرسائل النصية، برامج المحادثة الفورية، البريد الإلكتروني ،

لكن في الكثير من الحالات، هذا الطلاق يُعد في الفقه بأنه طلاق مشوب بشبهة، إذ إن استخدام وسائل غير منضبطة تحمل احتمال الخطأ أو التلاعب. 

الأشكال الشائعة له

رسالة نصية (SMS) أو واتساب أو ماسنجر تقول “أنت طالق”

رسالة بريد إلكتروني أو رسالة داخل تطبيقات الدردشة

محادثة صوتية أو فيديو يُلفظ فيها “أنتِ طالق” أثناء الاتصال

إشعارات تلقائية أو رسائل مسجلة تُرسل باسم الزوج

الأبعاد الفقهية والقانونية

في الفقه الإسلامي، هناك خلاف بين العلماء حول صحة هذا الطلاق ، بعضهم يرى أنه يقع إذا استوفى الشروط الصحيحة (نية، لفظ صحيح، يقين في الهوية)، وبعضهم يراه مشوب شبهة ويُشترط توثيقه أو صدوره في هيئة رسمية .

في قوانين الأحوال الشخصية لبعض الدول، هناك دراسات تشير إلى أن الطلاق الإلكتروني يُعد مشروعًا إذا استوفى الأركان القانونية، مع وجود شروط الإثبات والتوثيق .

لكن كثير من القوانين لا تعترف به تلقائيًا، وتُفضل أن يُثبّت الطلاق في المحكمة أو بحضور شهود، خصوصًا إذا كانت هناك شكوك في الرسالة أو التلاعب .

من الناحية القانونية، قد يثار أمام القضاء النزاع حول ما إذا كانت الرسالة صحيحة، أو ما إذا وقع الطلاق فعلاً، أو هل هناك إدعاء بالتزوير، وهو ما يجعل الأمر معقّدًا في بعض الحالات .

العوامل والدوافع وراء الظاهرة

 سهولة الاستخدام والتواصل الفوري:

في زمن التطبيقات والرسائل الفورية، القدرة على إرسال كلمة “طالق” بضغطة زر تجعل الأمر مُغرٍ للبعض في لحظة غضب أو نزاع.

 ضعف التوازن العاطفي أو الضغط النفسي :

عندما يكون النزاع شديدًا، قد يلجأ الزوج إلى هذه الطريقة بدافع الرغبة في إنهاء العلاقة فورًا.

 الفساد الأدبي أو استغلال الطرف الآخر .

استخدام الرسائل كذريعة للابتزاز أو التلاعب بالعاطفة والحقوق.

 الإدمان على الإنترنت والتباعد العاطفي 

التأثر بالسوشال ميديا والنزاعات الرقمية :

الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يُرتبط بارتفاع حالة الغيرة، المراقبة، والمقارنات، وهو ما يدفع بعض الأزواج إلى فُرِق كبيرة في العلاقة تنتهي بالطلاق. 

 تأثير الشبكات الاجتماعية :

هناك دراسات تشير إلى أن حالات الطلاق تنتقل عبر الشبكات الاجتماعية؛ كأن يصاب الصديق بالطلاق، وقد يؤثر ذلك على أصدقائه في اتّجاه مشابه .

الآثار النفسية والاجتماعية على الزوجين والأسرة

الصحة النفسية والجسدية : 

مطلقون كثيرون يُبلغون عن أعراض مثل الاكتئاب، القلق، التوتر، الانعزال الاجتماعي، ضعف الصحة الجسمية بعد الطلاق .

تأثير على الأطفال:

قد يعاني الأطفال من صدمة نفسية، شعور بعدم الأمان، صدام في الانتماء بين الأم والأب، وقد يمتد تأثير ذلك على التعليم والسلوك الاجتماعي.

ضياع الحقوق وتنظيف النزاعات :

في بعض الحالات، قد لا يُنفذ الطلاق الإلكتروني حقوق مالية أو حضانة بشكل صحيح، خصوصًا إذا لم يُتوّثق أو يُعرَض على محكمة.

عدم الاستقرار الأسري والمجتمعي 

هذه الظاهرة قد تهدّد مبدأ استقرار الأسرة وتفتح الباب أمام التلاعب، لذا يُنظر إليها في بعض الدراسات أنها قد تكون ذريعة للإفساد بمجتمعات لا تحتكم لضوابط قوية .

 التوعية الفقهية والقانونية 

توضيح للناس أن الزواج عقد مقدس، لا يُفسخ بوسائل عابرة دون ضوابط، وأن الطلاق خطوة جادة لا تُتخذ بلا تفكير.

 التشريع والتشديد على التوثيق 

يُمكن للقوانين أن تلزم أن أي طلاق عبر وسائل الكترونية يُسجَّل رسمياً أو يُوثق بشهود أو في محكمة لتأكيده، مما يقلل من النزاع.

 الوساطة الرقمية أو النفسية 

توفير منصات إلكترونية لحل النزاعات الزوجية أو استشارات نفسية قبل اتخاذ قرار الطلاق مثل مشاريع “Cooperation after Divorce (CAD) ” التي أظهرت نتائج إيجابية في الدعم النفسي لمن يمرون بالطلاق عبر تدخل رقمي. 

 ذكاء رقمي في العلاقة 

التحذير من الإفراط في استخدام السوشال ميديا داخل العلاقة، ووضع حدود واضحة للاستخدام أو الرقابة المتبادلة ضمن الثقة.

 استشارات أسرية وتحكيم وطني 

إنشاء مراكز استشارية أسرية حتى على مستوى الأحياء، لتسريع التدخل في النزاعات قبل أن تتحول إلى طلاق – رقميًا أو واقعيًا.

خاتمة

الطلاق الإلكتروني ظاهرة جديدة في فضاء الحياة الرقمية، تحمل معها كثيرًا من التعقيدات الفقهية، القانونية، والإنسانية. قد يُؤخذ به في بعض الحالات إذا استوفى الضوابط، لكنه في كثير من الحالات يُعد مشوبًا بشبهة ويثير نزاعات قانونية.

المعالجة لا تكون بمنع التكنولوجيا، بل بضبطها وضبط العلاقة نفسها: بالتوعية، التشريع السليم، الدعم النفسي، وضبط استخدام وسائل الاتصال في العلاقات الزوجية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى