
تقرير – ميريهان عماد سلاكه
مقدمة
يُعد الطلاق أحد أبرز القضايا الاجتماعية المتزايدة في المجتمع المصري والعربي، إذ لم يعد مجرد انفصال زوجين، بل أصبح له تأثيرات مباشرة وعميقة على الأطفال الذين غالبًا ما يدفعون الثمن الأكبر، ومع ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة، تتزايد المخاوف حول مستقبل هؤلاء الأطفال من الناحية النفسية والتعليمية والاجتماعية.
أرقام صادمة عن الطلاق في مصر
وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، شهدت مصر في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الطلاق، حيث تُسجَّل حالة طلاق كل دقيقتين تقريبًا، وأوضحت تقارير رسمية أن عدد حالات الطلاق عام 2023 تجاوز 320 ألف حالة مقارنة بحوالي 225 ألف حالة عام 2015، أي بزيادة تقارب 42% خلال أقل من عشر سنوات. وتشير الدراسات إلى أن ما يزيد عن 60% من الأطفال في الأسر المطلقة يتأثرون سلبًا في جوانب متعددة من حياتهم.
اضطرابات نفسية وفقدان الاستقرار
يؤكد خبراء علم النفس أن الأطفال غالبًا ما يعانون من مشاعر الخوف والقلق وفقدان الاستقرار بعد انفصال الوالدين. بعضهم يُظهر أعراضًا مثل الانطواء والعزلة، بينما قد يميل آخرون إلى السلوك العدواني، وتوضح دراسة أمريكية أن الأطفال في الأسر المنفصلة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 30% مقارنة بأقرانهم.
التعليم تحت ضغط الانفصال
تُظهر أبحاث تربوية أن نسبة الرسوب الدراسي بين أبناء الأسر المطلقة أعلى من المتوسط العام، فغياب الدعم النفسي للأسرة قد يؤدي إلى ضعف التركيز، قلة الحافز للتعلم، وأحيانًا التسرب من المدرسة، حيث أشارت دراسة محلية إلى أن نحو 15% من المتسربين من التعليم ينتمون إلى أسر مفككة.
علاقات اجتماعية مهزوزة وشخصية مرتبكة
غياب القدوة الأسرية المستقرة يجعل الطفل في حيرة عند تكوين علاقاته المستقبلية، بعض الدراسات أوضحت أن أبناء الأسر المطلقة قد يواجهون صعوبة في بناء علاقات عاطفية أو زوجية مستقرة مستقبلًا، خوفًا من تكرار تجربة والديهم.
شبكة الأمان: دور الأجداد والأقارب
يلعب الأقارب، مثل الأجداد والأعمام والجدات، دورًا أساسيًا في تخفيف آثار الطلاق، فهم يمثلون شبكة دعم مهمة تمنح الطفل شعورًا بالأمان وتعوض جزءًا من غياب الاستقرار الأسري.
صورة الطلاق في الإعلام وعيون الأطفال
يلعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تشكيل وعي الأطفال والمراهقين تجاه الطلاق، ففي بعض الأحيان يتم تناول الانفصال كأمر عادي أو حتى ترفيهي من خلال الدراما والبرامج، مما قد يربك وعي الطفل ويجعله يرى الطلاق “خيارًا سهلًا”، وفي المقابل، هناك مبادرات إعلامية تحاول نشر الوعي بخطورة الانفصال على الأسرة، وتشجع على الحلول السلمية والتربية المشتركة بعد الطلاق.
آراء الخبراء النفسيين: رؤية علاجية للأزمة
الدكتور أحمد عبدالسلام، استشاري الطب النفسي، يؤكد أن تجاهل مشاعر الأطفال بعد الطلاق يضاعف الأثر النفسي لديهم، مشددًا على ضرورة الحوار المفتوح معهم وطمأنتهم بأنهم ما زالوا يحظون بحب ورعاية والديهم.
الدكتورة منى الحديدي، أستاذة علم الاجتماع، ترى أن الأسرة يجب أن تهيئ الطفل تدريجيًا لفكرة الانفصال، بدلًا من تركه يكتشف الأمر بشكل صادم، وهو ما يساعد في تقليل شعور الخوف والاضطراب.
الدكتور محمد الجندي، أخصائي العلاج السلوكي، يشير إلى أهمية دور المدارس في متابعة الأطفال المتأثرين بالطلاق، موضحًا أن الدعم النفسي في البيئة التعليمية يساعد على استقرارهم وتقليل مشاعر القلق، كما يوصي خبراء الصحة النفسية بضرورة إنشاء مراكز إرشاد أسري تقدم جلسات دعم جماعي للأطفال، معتبرين أن مشاركة التجارب مع أقران يمرون بالظروف نفسها يساعد على تجاوز الأزمة.
حلول الخبراء لتقليل الأثر السلبي
يرى خبراء علم الاجتماع أن التوعية الأسرية قبل الزواج ضرورية للحد من ارتفاع معدلات الطلاق، يوصي الأطباء النفسيون بضرورة تقديم جلسات دعم نفسي للأطفال بعد الطلاق، يقترح مختصون في التعليم إنشاء برامج مدرسية خاصة لمتابعة الأطفال المتأثرين بالانفصال الأسري.
يُذكر أن الطلاق، رغم أنه قد يكون حلاً لإنهاء خلافات زوجية معقدة، إلا أن تبعاته على الأطفال تستمر لسنوات طويلة، وهنا يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن للأبوين أن يضعا خلافاتهما جانبًا، ويجعلوا مصلحة أطفالهم فوق كل اعتبار؟