الزواج المبكر في مصر.. ظاهرة اجتماعية بين ضغوط العادات وتحديات الحاضر

تقرير: ريهام عسل
مقدمة
رغم التطور الكبير الذي تشهده مصر في مختلف المجالات، ما زالت بعض القرى والمناطق الريفية تشهد انتشارًا لظاهرة الزواج المبكر باعتبارها عادة متوارثة عبر الأجيال وأداة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية، وذلك رغم أن القانون المصري حدد سن الزواج بثمانية عشر عامًا.
الأبعاد الصحية
الفتيات اللاتي يتزوجن في سن صغيرة يواجهن تحديات صحية خطيرة نتيجة الحمل المبكر الذي يتسبب في مضاعفات جسدية كفقر الدم والنزيف وصعوبة الولادة، فضلًا عن زيادة نسب وفيات الأمهات بين هذه الفئة العمرية. أجسادهن التي لم تكتمل نموها تجعل احتمالات الإصابة بأمراض مزمنة أكبر، كما أنهن أكثر عرضة للاكتئاب والاضطرابات النفسية الناتجة عن ضغوط أسرية ومسؤوليات لا تتناسب مع أعمارهن.
الآثار الاجتماعية
لا يقف تأثير الزواج المبكر عند الجانب الصحي فقط، بل يمتد إلى تعطيل مستقبل الفتاة، إذ يحرمها من استكمال تعليمها ويقضي على فرصها في التطوير الشخصي والمهني، هذه الظاهرة تزيد من احتمالية الطلاق المبكر وتخلق أزمات أسرية تؤثر على الأطفال والمجتمع ككل، كما يراها خبراء الاجتماع عاملًا أساسيًا في تعميق الفجوة بين الأجيال وإضعاف دور المرأة وإقصائها من المشاركة الفاعلة في التنمية.جهود المواجهة
تسعى الدولة جاهدة إلى التصدي لهذه الظاهرة عبر حملات توعوية تنفذها وزارات الصحة والتضامن والمجلس القومي للطفولة والأمومة، بالإضافة إلى سن قوانين أكثر صرامة لتجريم تزويج القاصرات، كما تعمل الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني على تنفيذ برامج إرشادية في القرى تهدف إلى تغيير المفاهيم المغلوطة وإقناع الأسر بأهمية الاستثمار في تعليم الفتيات ومنحهن الفرصة لتحقيق ذواتهن.
الإعلام والتعليم
الإعلام بدوره لعب دورًا مهمًا في تسليط الضوء على هذه القضية عبر تناول قصص واقعية وحوارات مفتوحة مع الأهالي والخبراء، الأمر الذي ساهم في كسر حاجز الصمت حولها وطرحها للنقاش العام، كما بدأت المناهج التعليمية تضمين موضوعات مرتبطة بحقوق الطفل وتمكين الفتيات، وهو ما يعزز الوعي منذ الصغر ويؤسس لجيل أكثر وعيًا بحقوقه وواجباته.
البعد الاقتصادي
خروج الفتيات من التعليم نتيجة الزواج المبكر يؤدي إلى حرمان سوق العمل من طاقات بشرية مهمة، كما يسهم في زيادة معدلات الفقر داخل الأسر بسبب اعتمادها على مصادر دخل محدودة، وعلى المستوى الوطني، فإن استمرار الظاهرة يمثل عبئًا اقتصاديًا يعيق خطط التنمية، إذ تحرم الدولة من كوادر نسائية قادرة على الإسهام في بناء المجتمع.
رؤية مستقبلية
الحلول الجذرية لمشكلة الزواج المبكر لا يمكن أن تقتصر على إصدار القوانين وحدها، بل يجب أن تشمل تغيير الثقافة المجتمعية التي ترى في تزويج الفتاة الصغيرة وسيلة لحماية الشرف أو تقليل الأعباء، تمكين الفتيات عبر التعليم والتأهيل والتدريب على المهارات الحياتية والعملية هو الطريق الأنجع لإقناع الأسر بأن مستقبل بناتهن وقيمتهن الحقيقية تكمن في العلم والعمل والمشاركة، لا في تزويجهن في سن مبكرة.
خاتمة
الزواج المبكر قضية متشابكة تجمع بين الموروثات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية، غير أن الجهود الحكومية والمجتمعية المتزايدة تبشر بإمكانية الحد من هذه الظاهرة وحماية حقوق الفتيات، الطريق ما زال طويلًا، لكن تزايد الوعي العام وتكامل الأدوار بين الدولة والإعلام والمجتمع المدني يفتح أفقًا لمستقبل أفضل، حيث تتمكن كل فتاة مصرية من الحصول على حقها في حياة كريمة وفرصة عادلة للمشاركة في بناء وطنها.