إعادة رسم موازين القوى الدولية: دور الصين والتعددية في 2025
مؤتمر ميونيخ 2025: التعددية كأداة لفهم النفوذ العالمي

تقرير: رحمة عماد
مقدمة
شهد عام 2025 تحولات كبرى في المشهد الدولي، حيث أصبح التنافس بين القوى الكبرى أكثر وضوحًا، وأصبح من الضروري إعادة النظر في قواعد الحوكمة العالمية. في هذا السياق، سلط مؤتمر ميونيخ للأمن الضوء على مفهوم التعددية باعتباره أداة لفهم توزيع النفوذ الجديد، في حين أطلقت الصين مبادرة الحوكمة العالمية لتؤكد دورها كقوة محورية في صياغة مستقبل النظام الدولي.
مؤتمر ميونيخ للأمن 2025 ومفهوم التعددية
تناول مؤتمر ميونيخ للأمن لعام 2025 نقاشات موسعة حول مفهوم التعددية باعتباره محورًا أساسيًا في الخطاب السياسي والأمني العالمي. وجاء التركيز على هذا الموضوع نتيجة تصاعد نفوذ الصين من خلال مبادرة “الحوكمة العالمية” ومحاولة بناء تحالفات بديلة لمؤسسات الغرب التقليدية، وبقاء الولايات المتحدة قوة مهيمنة لكنها تواجه تحديات داخلية وخارجية تحد من قدرتها على الانفراد بالقيادة.
كما لعبت روسيا دورًا رئيسيًا في ملفات الأمن والطاقة رغم العقوبات والحرب في أوكرانيا، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي وتقليل الإعتماد على واشنطن في الملفات الدفاعية. وبرزت أهمية دور الدول الإقليمية في الملفات الدولية، خصوصًا في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
وأظهر النقاش تباين وجهات النظر حول التعددية؛ فبعض المشاركين رأوا أنها قد تقلل من الهيمنة وتمنح الدول النامية مجالًا أوسع للمناورة، بينما اعتبر آخرون أنها قد تفتح الباب لصراعات جديدة بسبب تضارب المصالح بين الأقطاب. كما ركز المؤتمر على قدرة المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والناتو وصندوق النقد الدولي على مواكبة هذا التحول، وما إذا كانت تحتاج إلى إصلاح جذري.
الصين ترسم النظام الجديد: مبادرة الحوكمة العالمية
في إطار سعي الصين لتعزيز حضورها كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، أعلنت عن مبادرة الحوكمة العالمية (Global Governance Initiative)، والتي تهدف إلى بناء نظام عالمي أكثر “توازنًا وعدالة” وفقًا للرؤية الصينية. وتركز المبادرة على إعادة هيكلة قواعد الحوكمة الدولية لتصبح أكثر شمولًا، بحيث تعكس مصالح الدول النامية والدول غير الغربية، بدلًا من أن تظل تحت سيطرة الغرب.
ومن الطرق المتبعة لتحقيق أهداف المبادرة: تعزيز دور الصين داخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وبناء تحالفات موازية مع دول الجنوب العالمي في أفريقيا، آسيا، وأميركا اللاتينية. إضافة إلى إطلاق أطر بديلة أو مكملة للمؤسسات الغربية مثل منظمة شنغهاي للتعاون، مبادرة الحزام والطريق، وبنك الاستثمار الآسيوي.
ويتمثل الهدف المعلن للمبادرة في “إقامة نظام عالمي قائم على التعددية والاحترام المتبادل، بعيدًا عن الهيمنة الأحادية”.
السياسة كأداة نفوذ: كيف تواجه الصين الهيمنة الأمريكية
تحاول الصين من خلال المبادرة أن تقدم نفسها كقوة داعمة لمفهوم التعددية في مواجهة ما تعتبره هيمنة أميركية على النظام الدولي. كما تسعى لجذب الدول النامية عبر تقديم نفسها كحليف اقتصادي وسياسي يشاركها “المصير المشترك” بدلًا من فرض الشروط كما تفعل المؤسسات الغربية التقليدية. إلى جانب ذلك، تُستخدم المبادرة داخليًا لتعزيز صورة الحزب الشيوعي الصيني كقوة قادرة على صياغة مستقبل العالم وإعادة رسم موازين القوة الدولية.
الاقتصاد كقوة استراتيجية: مشاريع وبنية تحتية لهيمنة رقمية
تتضمن المبادرة أبعادًا اقتصادية واضحة، أبرزها: تعزيز المبادلات التجارية من خلال مشاريع البنية التحتية الكبرى (طرق، موانئ، سكك حديدية) ضمن إطار مبادرة “الحزام والطريق”. وإدخال معايير صينية لتأمين السيطرة على البنية التحتية الرقمية العالمية. وتقديم قروض ومنح للدول النامية، ما يمنح بكين نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا طويل الأمد ويعزز حضورها الدولي.
الردود العالمية: الترحيب، التحفظ، والمناورة الدولية
لاقَت المبادرة ترحيبًا نسبيًا من جانب الدول النامية التي رأت فيها فرصة لتقليل الاعتماد على الغرب والحصول على شراكات اقتصادية جديدة. بالمقابل، اعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها المبادرة جزءًا من “تنافس استراتيجي” قد يضعف النفوذ الغربي ويعيد توزيع القوة الدولية. أما الاتحاد الأوروبي، فتبنّى موقفًا مترددًا، متطلّعًا للتعاون مع الصين في مجالات مثل المناخ والاقتصاد، لكنه يظل حذرًا تجاه النوايا الجيوسياسية الصينية.
خاتمة
تعكس مبادرة الصين للحوكمة العالمية والتناقشات التي شهدها مؤتمر ميونيخ 2025 تحوّلًا في موازين القوى العالمية، حيث يسعى كل طرف لإعادة رسم نفوذه والتكيف مع النظام المتعدد الأقطاب. وبينما تحتفل بعض الدول النامية بفرص جديدة، تظل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حذرين، مما يبرز أن الطريق نحو نظام عالمي متوازن قائم على التعددية يواجه تحديات وفرصًا متزامنة.