مقالات
أخر الأخبار

السياحة بعد التحديات العالمية والمحلية

تقرير  – سلسبيل وليد جوده 

مقدمة

لطالما كانت السياحة من القطاعات الحيوية في مصر؛ إذ تمثّل مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة، وتوفّر فرص عمل، وتُسهم في الناتج المحلي الإجمالي ، لكن القطاع تعرض لعدة صدمات عالمية ومحلية في السنوات الأخيرة: جائحة كورونا، الأزمات الاقتصادية العالمية، الحروب والنزاعات الإقليمية، أحداث أمنيّة وسلامة، تقلبات سعر الصرف، وتحديات البُنى التحتية، وغيرها.

الواقع الحالي: التعافي وبعض الإنجازات

 انتعاش الأعداد والإيرادات : 

مصر سجّلت نموًا في أعداد السياح والإيرادات بعد جائحة كورونا ،تقرير من وزارة السياحة وآثار مصر يقول إنّ القطاع شهد نموًا بنسبة حوالي 14% مقارنة بفترة ما قبل كورونا. 

في عام 2024، عدد السائحين وصل إلى حوالي 15.7 مليون زائر مقابل زيادة عن العام السابق، والإيرادات السياحية بلغت نحو 15.3 مليار دولار بتزايد يقارب 9% سنويًا. 

 ارتفاع حُجْم الاستثمارات والتوسّع الفندقي :

زيادة في عدد الغرف الفندقية؛ جهود لتوسيع القدرة الاستيعابية لتلبية الطلب المتزايد. 

خطط طموحة لتحقيق عدد سياح يصل إلى 30 مليون بحلول 2028، عبر تحسينات البُنى التحتية، المشاريع الكبرى مثل المتحف الكبير، والتركيز على التنوع السياحي. 

عائدات قوية رغم الأزمات الإقليمية :

بالرغم من التوترات السياسية والحروب في بعض الدول المجاورة، مصر استطاعت أن تحافظ على جذب عدد من الجنسيات المتنوعة من أوروبا، روسيا، السعودية، وغيرها. 

التقرير السنوي للسياحة يشير إلى أن مصر صارت من الدول الرائدة في أفريقيا من حيث الإيرادات السياحية بفضل هذا التعافي. 

التحديات العالمية والمحلية

لكن رغم هذا الزخم الإيجابي، هناك عدة عقبات تؤثر على الأداء السياحي:

 قضايا السلامة والأمن :

حادثة الغواصة السياحية “Sindbad” التي غرقت قرب الغردقة عام 2025، مما أسفر عن وفاة سائحين، أثارت قلقًا حول معايير السلامة في الأنشطة البحرية. 

توجد حوادث مراكب وغواصات، هجمات أسماك القرش، وغيرها، كلها تحديات تؤثر على الصورة الذهنية للسائح. 

التقلبات الاقتصادية العالمية :

ارتفاع تكاليف التشغيل، أسعار الطاقة، التضخم في المواد الخام، سعر الصرف، كل هذه عوامل تزيد من تكلفة المنتج السياحي وتجعل الأسعار أقل تنافُسًا.

الأزمات العالمية مثل الحرب في أوكرانيا تؤثر على سياسية السفر والتأشيرات وأسعار الطيران.

الأزمات الإقليمية والسياسية :

النزاعات في المنطقة لها تأثير على الصورة الأمنية والتصوّر السياحي ، حتى لو لم تكن مصر طرفًا مباشرًا، الجمهور العالمي يتأثر بما يُنشر من تحذيرات سفر وأخبار.

تأخيرات أو تأجيلات افتتاح مشاريع كبرى بسبب ظروف إقليمية أو سياسية تؤثر على الخطط والمواعيد المتوقعة.

 البنية التحتية والخدمات السياحية :

في بعض المناطق، ضعف الخدمات، النقل، جودة المرافق الفندقية والترفيهية، الصيانة، النظافة، والتجربة العامة للسائح.

التنافسية أقل مما يجب مقارنة بالدول السياحية الأخرى رغم المزايا الطبيعية والتاريخية التي تمتلكها مصر. البحث الأكاديمي عن “تقييم تنافسية القطاع السياحي في مصر” يشير إلى أن هناك نقاط ضعف يجب معالجتها. 

التسويق والإمكانات غير المُستغَلّة :

التنوع السياحي كبير: الآثار، الغوص، السياحة الدينية، السياحة البيئية، الصحراوية، والترفيهية ،لكن بعض هذه القطاعات ليست مستغلة جيدًا من ناحية التسويق العالمي وتقديم خدمات متخصصة.

التجربة السياحية للشخص العادي قد تتأثر بعدم وجود خطط إعلامية قوية أو ضعف في الترويج الدولي مقارنة بدول منافسة.

الفرص المتاحة

التنوع السياحي :

السياحة الأثرية والتاريخية دائمًا من المقاصد القوية، لكن هناك فرص كبيرة في السياحة البيئية، السياحة الفاخرة، السياحة الطبية، والغوص.

الاستفادة من مواقع لم تُستغل جيدًا بعد.

 المشروعات الكبرى والبُنى التحتية :

افتتاح المتحف المصري الكبير، تحسين المطارات والمواصلات، البُنى الفندقية الحديثة، الإنتاج السياحي المُميَّز.

مشروعات جذب الاستثمار الأجنبي في الفنادق والخدمات، تحسينات المرافق، التحسين الرقمي (حجوزات، خدمات الزوار، المواصلات الذكية).

الأسواق الجديدة والأسواق التي استعادت الثقة :

التركيز على الأسواق التي بدأت العودة بقوة مثل أوروبا الشرقية، روسيا، السعودية، ودول آسيا.

تحسين التجربة لتلبية متطلبات السائح الأكثر تطلبًا — الجودة، الأمان، الراحة، الخدمات الرقمية.

التكنولوجيا وتطوير الخبرة :

استخدام التسويق الرقمي، وسائل التواصل الاجتماعي، الواقع المعزز/الافتراضي لجذب الزوار والتعريف بالمواقع الأثرية.

تحسين تجربة الزائر من حيث الحجز، الدفع، الإرشاد الرقمي، الخدمات الذكية.

الشراكة بين القطاع الحكومي والخاص :

التشجيع على الاستثمار الخاص، تسهيل الإجراءات البيروقراطية، تقديم حوافز للمستثمرين، الشراكات لإدارة المواقع السياحية.

برامج تأهيل العمالة والخدمات بما يتناسب مع المعايير العالمية.

توصيات

تحسين معايير السلامة :

مراجعة شاملة لكل الأنشطة البحرية/المغامرات، اعتماد معايير دولية، مراقبة دورية، تدريب وتأهيل العاملين، فرض العقوبات في حالة التهاون.

تعزيز الثقة لدى السائح بأن مصر بلد آمن للسفر والنشاطات السياحية.

 تعزيز التسويق الدولي وتنويع الأسواق :

إطلاق حملات دعائية موجهة للأسواق الناشئة والمحرومة سابقًا، التركيز على المزايا الفريدة لمصر كالتنوع الثقافي والتاريخي والطبيعي.

مزيج من الترويج الرقمي والمعارض العالمية للتسويق.

رفع جودة الخدمات والبُنى التحتية :

تطوير المرافق في المناطق الأثرية، المنتجعات، الفنادق، النقل، المطارات.

التركيز أيضًا على التجربة المحلية:

 نظافة، مرافق عامة، تنمُّر الخدمات، البشاشة، وراحة السائح.

 الاستقرار السياسي والأمني :

العمل على تخفيف المخاوف الدولية عبر الشفافية، الاستجابة السريعة للأحداث، تحسين صورة مصر في الإعلام الخارجي والسفارات.

التنسيق مع الجهات الأمنية والجهات الدبلوماسية لضمان سلامة الزوار والترويج لذلك.

 السياسات المالية والاقتصادية الداعمة :

تقديم حوافز استثمارية (ضريبية، تمويلية)، تسهيل الاستيراد للمواد المطلوبة في البُنى التحتية الفندقية، دعم السياحة في فترات الركود.

مراقبة التضخم وسعر الصرف لضمان ألا يرتفع كلفة السفر والخدمات السياحية بشكل مبالغ فيه بالنسبة للسائح.

 استدامة السياحة والتوازن البيئي : 

حماية البيئات الطبيعية، الشعاب المرجانية، البحر الأحمر، التقليل من التلوث، إدارة جيدة للنفايات.

تشجيع السياحة البيئية والسياحة المسؤولة.

خاتمة

السياحة في مصر بدأت تستعيد عافيتها بعد سنوات من التحديات الكبيرة، وحقّقت مؤشرات إيجابية تُشير إلى أن هناك دافع قوي للنمو. لكنها ما زالت في مفترق طرق: إذا نجحت السياسات في تعزيز السلامة، جودة الخدمة، التسويق، والاستثمار، فالمستقبل يمكن أن يكون مشرقًا. أما إذا قصّرنا في معالجة التحديات التي لا تزال قائمة، فإن المخاطر قائمة — منها فقدان ثقة السائح، المنافسة الخارجية، والتغيرات العالمية المفاجئة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى