
تحقيق – آلاء هشام
مقدمة:
يستيقظ ويقرأ توقع حظ الأبراج، فيتشائم ويؤجل سفرًا، أو على العكس، يتحول يومه بعد قراءتها إلى الأفضل، فيقدم على خطوة كان قد أجلها، أو يعمل بحماس أكبر.
ارآء المواطنين حول توقعات الأبراج
أوضحت “ثريا حسام” أنها لا تتابع توقعات الأبراج بشكل يومي، بسبب حرامنية الأمر، وفي رأيها لا يصح توقع أمور مستقبلية من الأبراج، إنما هى للترفيه أكثر، مثل وصف الشخصيات وفقًا للبرج، وأضافت أنها تشعر أن وصف شخصيتها طبقًا لبرجها دقيق، قائلة أنه ليس كل الأبراج ينطبق عليها الوصف.
وأكدت “سحر محمود” أنها لا تتابع توقعات الأبراج نهائيًا، لأنها لا تصدق في تلك الأمور، لكن عندما تكون في حالة حزن أو ضيق وتريد أن تتفائل، ربما تبحث عن كلمات تمدها بالطاقة وتشجعها.
وواصلت “سحر محمود” حديثها قائلة أنه يوجد أشخاص لا تؤمن بالأبراج، وآخرين يدفعهم الفضول ليروا إن كان وصف البرج صحيح أم لا، والبعض الآخر متعلق بتوقعات الأبراج بشكل شديد، لكن في النهاية لا يعلم الغيب إلا الله، وأشارت إلى أنه يوجد توقعات واردة الحدوث، وبإختصار هذه مجرد توقعات.
وقالت “إسراء وجدي”: “لا أتابع توقعات الأبراج بشكل يومي، لكنني أفهم أن الكثير من الناس يجدون فيها نوعًا من التسلية، أو وسيلة لفهم أنفسهم وعلاقاتهم مع الآخرين، فبعض الناس يرونها كوسيلة لتوجيه أنفسهم في الحياة”.
وأشارت “إسراء وجدي” إلى اعتقادها أن بعض الناس يلجأون للأبراج، بسبب القلق من المستقبل، فقد تمنحهم الأبراج شعورًا بالتحكم أو الأمل، أو حتى توجيهًا في اتخاذ قراراتهم، وقد تكون وسيلة لمواجهة الغموض، الذي يحيط بالمستقبل.
رأي مدرس الصحة النفسية حول الإيمان بالأبراج

قال الدكتور عبده سليمان مدرس الصحة النفسية بكلية التربية في جامعة الزقازيق، أن الإيمان بالأبراج يشير إلى قبول الأفراد لفكرة أن مواقع الكواكب والنجوم عند ولادتهم، وفي لحظات زمنية محددة، تؤثر على شخصياتهم وسلوكهم ومصائرهم.
ويتراوح هذا الاعتقاد بين متابعة نصائح عامة في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى اعتماد قوي على خرائط ولادات مفصلة، تستخدم لاتخاذ قرارات حياتية مهمة، ويعد موضوع الأبراج تلاقٍ بين عناصر ثقافية وتراثية وشعبية وعلمية، لذلك فهو مجال غني للدراسة متعددة التخصصات.
وأوضح الدكتور عبده سليمان أنه تاريخيًا وثقافيًا جذور الاعتقاد بالأبراج تمتد إلى تقاليد فلكية قديمة وطرائق تفسيرية متنوعة عابرة للحضارات، ومع ذلك فإن الشكل المعاصر لانتشار الأبراج مرتبط بتحولها إلى محتوى يومي مبسط، يقدم عبر الصحافة والإعلام الرقمي، ما جعلها جزءًا من الحياة اليومية، لدى شرائح واسعة من المجتمعات.
واستكمل “سليمان” حديثه قائلًا: “لهذا يجب تناول الأبراج ليس فقط كظاهرة متعلقة بالمعتقدات الفردية، بل ظاهرة اجتماعية وثقافية، تحمل دلالات عن القيم والهوية، وأساليب التعامل مع الغموض والضغوط”.
وأشار مدرس الصحة النفسية بكلية التربية في جامعة الزقازيق إلى أنه من الناحية النفسية يمكن تفسير الإيمان بالأبراج عبر آليات معرفية وانفعالية معروفة “الميل إلى البحث عن نمط ومعنى (pattern seeking)”، “تحذيرات تأكيدية (confirmation bias)”، تجعل الأشخاص يركزون على المعلومات المتوافقة مع توقعاتهم، والحاجة إلى السيطرة واليقين، في مواجهة عدم اليقين.
كما تلعب عوامل شخصية مثل اضطرابات الهوية، أو الرغبة في الانتماء الاجتماعي دورًا في تقبل هذع المعتقدات، لذلك دراسة الأبراج توفر نافذة على فهم كيف تشكل المعتقدات غير العلمية، وتستمر في الوجود، رغم تقدم المعرفة العلمية.
وأوضح الدكتور عبده سليمان أن العوامل الاجتماعية والتكنولوجية الحالية سرعت من انتشار الأبراج، وشكلت طرقًا جديدة لتكريسة “شبكات التواصل الاجتماعي، الذكاء الاصطناعي، محتوى الترفيه السريع”، فجعلت التنبؤات الفلكية أكثر سهولة وأوسع انتشارًا، وغالبًا ما تعرض بشكل جذاب بصريًا ونبرات تطمينية، تلبي احتياجات المستخدمين العاطفية.
كما أن التحول في الرؤية للعالم والقلق الإقتصادي والاجتماعي، يمكن أن يدفع فئات معينة نحو البحث عن تفسيرات بسيطة، للمعاناة والنجاح، وأخيرًا أهمية تناول موضوع الإيمان بالأبراج تتجلى في أبعادها النظرية والتطبيقية، فهى تطرح تساؤلات حول علاقة العلم والمجتمع والإعلام في تشكيل المعتقدات، وتأثير ذلك على اتخاذ القرارات الشخصية والصحة النفسية.
وتفتح إمكانيات للتدخلات التربوية والإرشادية، تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي والوعي العلمي، دون تجاهل الاحتياجات النفسية، التي قد تدفع الناس إلى البحث عن ملاذات معرفية بديلة، هذه المقدمة تقود إلى أسألة بحثية علمية “ما مدى ارتباط الإيمان بالأبراج بالخصائص الشخصية؟، كيف تؤثر الوسائط الرقمية في رسوخ هذه المعتقدات؟، وما التدخلات الفعالة، لخفض الاعتماد على تفسيرات زائفة في صنع القرار؟.
وأوضح “سليمان” أن أسباب انجذاب الكثير من الناس لمتابعة الأبراج تتمثل في “الحاجة إلى تقليل حالة عدم اليقين” حيث تقدم التنبؤات الفلكية إحساسًا بالترتيب والمعنى في عالم معقد وغير مؤكد، فتسهم مؤقتًا في الشعور بالأمان النفسي.
بالإضافة إلى “الراحة الإنفعالية والتطمين” فنصوص الأبراج غالبًا ما تصاغ بلغة تطمينية وعامة، يمكن أن تلائم كثيرين، ما يسبب شعورًا بالاطمئنان، وأيضًا “البحث عن الهوية والانتماء” حيث أن متابعة الأبراج تشكل أداة تواصل اجتماعي، ومصدر حديث للمحادثات والهوية (أنا من برج..).
و”الآليات المعرفية”: التعرف على الأنماط، تحيز التذكر والإنتقاء (confirmation bias)، و”الإيحاءات السياقية (priming)، تجعل الأشخاص يلاحظون المعلومات المتوافقة ويتجاهلون المتعارضة، بجانب “الدور الإعلامي والتقني” فالتصميم الجذاب للمحتوى، الخوارزميات التي تعيد تغذية المستخدمين بالمحتوى المشابه، وانتشار الأبراج كترفيه يومي، يجعل متابعته سهلة ومستمرة.
وعند سؤال الدكتور عبده سليمان إن كان الإيمان بالأبراج مرتبط بسمات شخصية معينة، أكد أنه لا يوجد قاعدة صارمة تنطبق على الجميع، لكن نظريًا قد يزيد احتمال التصديق عند من تتوافر لديهم بعض الخصائص النفسية “حاجة أعلى للسيطرة أو اليقين، مستوى أعلى من القلق، قابلية أكثر للاقتناع (suggestibility)، أو ميول أقل نحو التفكير التحليلي النقدي.
وأشار “سليمان” إلى أنه من زاوية الشخصيات يمكن أن يُلاحظ ارتباطات مع نماذج مثل: “انفتاح الأفكار” فقد يجعل الشخص أكثر تقبلًا للأفكار غير التقليدية، بينما المستويات العالية من القلق أو الحساسية العاطفية، تدفع إلى البحث عن تفسيرات مريحة، ولكن هذه روابط محتملة وليست حتمية، فالفروق بين الأفراد كبيرة وتلعب البيئة والثقافة والتعرض الإعلامي دورًا محوريًا.
وقال مدرس الصحة النفسية بكلية التربية في جامعة الزقازيق أنه من الناحية التشخيصية الصارمة، متابعة الأبراج وحدها لا تعد إدمان بالمعنى السريري، مثل اضطراب القمار أو الإدمان على المواد المخدرة، إلا إذا سببت نمطًا قهريًا، يحقق معايير الاضطراب الوظيفي.
وأضاف أنه علميًا قد تطور إلى سلوك اعتيادي – قهري (compulsive checking)، عندما يصبح الشخص مدفوعًا لفحص التنبؤات باستمرار، تعتمد قراراته اليومية اعتمادًا كبيرًا على الأبراج، أو تتدهور علاقاته أو أداؤه العملي بسبب ذلك، فهذا يشبه أنماط الطمأنة القهرية أو الاعتماد على مصادر خارجية للقرار.
وأوضح الدكتور عبده سليمان أنه علاجيًا في الحالات التي تتحول فيها المتابعة إلى مشكلة وظيفية، أو تزيد القلق أو التجنب، يمكن استخدام أساليب معرفية – سلوكلية، لتقليل الاعتماد وتعزيز التحكم الذاتي.
ويتشكل الأثر النفسي للتصديق المستمر في توقعات الأبراج في “أثر إيجابي قصير المدى” يوفر تهدئة وانخفاض مؤقت في القلق، وشعور بالارتباط الاجتماعي، وتأطير للأحداث الشخصية بطريقة مرمزة.
و”أثر سلبي طويل المدى” قد يؤدي إلى تقليل الإحساس بالمسؤولية والفاعلية الذاتية (ternal locus of control)، اتخاذ قرارات أقل مبنية على دلائل موضوعية، تراكم انطباعات مغلوطة عبر الإيحاءات، وزيادة الاعتماد على مصادر خارجية للطمأنة.
بجانب “احتمالات وظيفية وصحية” فإذا صاحب التصديق الإفراط في تجنب المواقف، أو تغيير المسارات المهنية أو العلاجية، تبعًا لتنبؤات زائفة، فقد يتسبب ذلك في أذي عملي ونفسي.
و”تداخل مع الصحة النفسية” ففي بعض الأفراد ذوي القابلية العالية للقلق أو التفكير الوسواسي، قد تزيد المعتقدات الفلكية دائرة القلق، بدلًا من تقليلها.
كما قال “سليمان” أن العلاقة بين تصديق توقعات الأبراج والإيحاء النفسي تتمثل في “الإيحاء والتوقعات” فتوقعات الأبراج تعمل كتوقعات مسبقة، قد توجه الانتباه والسلوك، وتزيد من احتمال حدوث سلوكيات أو تقييمات متوافقة مع تلك التوقعات، وهذا يتقاطع مع مفهوم النبوءة المحققة ذاتيًا (self-fulfiling).
و”التأثير الشبيه بالمفعول الوهمي (placebo)” فإذا آمن الشخص بتأثير وصف أو نص من الأبراج، فقد يشعر بتحسن مؤقت (مزاجي أو نفسي)، نتيجة توقعه الإيجابي، حتى إن لم يكن هناك سبب موضوعي.
بجانب “آليات معرفية” تحيز التأكيد، تفسيرات غامضة، تعد قابلة للتطبيق على كثير من الحالات وانتقاء الذكريات الداعمة كلها، تعزز كيف يتحول وصف فلكي عام إلى تجربة شخصية، تبدو صحيحة.
واختتم مدرس الصحة النفسية بكلية التربية في جامعة الزقازيق حديثه قائلًا أن العلاقة بين التصديق والإيحاء قوية، ولهذا السبب تكون البرامج العلاجية والتثقيفية فعالة، عندما تشرح هذه الآليات للمتعاطين مع الأبراج، وتقدم استراتيجيات، لتمييز الإيحاءات من الحقائق.
رأي الدين حول تصديق توقعات الأبراج
قال الشيخ ياسر فتحي إمام وخطيب مسجد الفتح بالزقازيق، أن الإيمان بالأبراج “أنها تتحكم في حياة الناس أو ترزقهم أو تشقيهم” حرام ومنافٍ للتوحيد، لأنه اعتقاد بأن غير الله يملك التصرف في الكون، قال الله تعالى:﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: 65]، فلا أحد يعلم الغيب أو يحدد المصير غير الله.
وأضاف الشيخ ياسر فتحي أنه حتى إذا كان قراءة الإبراج “لمجرد التسلية” فإنه حرام، لأن الشرع سدّ الذرائع إلى الفتنة والاعتقاد الباطل، النبي ﷺ قال:«مَن أَتَى عَرَّافًا فَسأله عن شيء لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلة»(رواه مسلم)، وقال الشيخ لاحظ أن مجرد السؤال – حتى دون تصديق – يترتب عليه إثم، فما بالك بالقراءة والمتابعة؟.
وأشار إمام وخطيب مسجد الفتح إلى أنه يوجد نصوص دينية كثيرة توضح الأمر، قال ﷺ: «مَن أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزِل على محمد» (رواه أحمد وأبو داود)، وقال تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59]، وهذا دليل صريح أن التنجيم أو الكهانة إدعاء كاذب للغيب.
وأوضح الشيخ ياسر فتحي أنه إذا اعتقد الشخص أنها تتحكم في مصيره هذا شرك أكبر، لأن فيه نسبة للتصرف في الكون لغير الله، النبي ﷺ قال: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» (رواه أبو داود)، فإذا اعتقد الشخص أن الأبراج تحدد الرزق أو النجاح أو الزواج أو العمر، فهذا شرك ينافي التوحيد.
وفي الختام وجه “فتحي” نصيحة للشباب الذين يتابعون الأبراج يوميًا، حيث قال: “تذكر أن حياتك بيد الله وحده، لا كوكب ولا برج ولا نجم يملك أن يرفعك أو يضرك، اشغل نفسك بالقرآن والذكر، فهى التي تفتح لك أبواب الطمأنينة الحقيقية، واجعل ثقتك بالله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]، لو محتاج للتسلية، عندك بدائل نضيفة ومفيدة بدل ما تضيع وقتك في شيء يجرك للحرام.
خاتمة:
وفي النهاية قد يعتمد البعض على توقعات الأبراج في اتخاذ القرارات، وقد تكون تسلية للبعض، أو حتى وهمًا للبعض الآخر.