حوادث

جرائم الثأر في الصعيد.. إرث دم لا ينتهي

الخريطة الجغرافية للثأر

تقرير – مريم محمد

مقدمة

رغم التطور المجتمعي والقانوني الذي تشهده مصر، ما تزال بعض قرى ومحافظات الصعيد تعيش تحت وطأة “الثأر”، الذي يحول الخلافات البسيطة إلى دماء لا تنتهي، لتستمر هذه الظاهرة جرحًا مفتوحًا يهدد الأمن والسلم الاجتماعي.

جذور الظاهرة

الثأر في الصعيد ليس وليد اللحظة، بل عادة متوارثة منذ عقود طويلة، يراها البعض حفاظًا على “الكرامة” و”شرف العائلة”، بينما يعتبرها آخرون عادة موروثة لا تجلب سوى الخراب وتدمير الأسر.

الخريطة الجغرافية للثأر

تتركز معظم قضايا الثأر في محافظات: قنا، سوهاج، أسيوط، المنيا، والأقصر، وغالبًا ما تتحول بعض القرى إلى ساحات مواجهة بالأسلحة النارية الثقيلة، لتسقط ضحايا بالجملة.

الدراسات

دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي، أكدت أن الثأر ما زال حاضرًا في المجتمع الصعيدي، خاصة في القرى الأكثر فقرًا وانغلاقًا.

الدراسة استندت إلى ثلاث فئات رئيسية: الجمهور العام، أطراف النزاعات الثأرية، والجهات الوطنية ولجان المصالحات، أوضحت أن الفقر، قلة التعليم، ضعف الخدمات، والبيئة المنغلقة عوامل رئيسية تغذي استمرار الظاهرة.

وزيرة التضامن الاجتماعي أشارت إلى أن الثأر أصبح في بعض المجتمعات جزءًا من مفهوم الكرامة، وهو ما يجعل الجريمة مقبولة اجتماعيًا عند بعض الأسر.

أمثلة من الواقع

في قرية كوم هتيم بمركز أبوتشت محافظة قنا، شهدت المنطقة واحدة من أعنف المواجهات بين عائلتين “الطوايل والغنايم”، حيث استخدمت الأسلحة النارية الثقيلة والخفيفة، وأسفرت عن 7 قتلى في واقعة واحدة، بينما بلغ إجمالي الضحايا في تجدد الخلاف نحو 14 قتيلًا.

في حادثة أخرى بين مركزي فرشوط وأبوتشت، لقي موظف مصرعه لمجرد مروره عابرًا من منطقة اشتباك مسلح بين قبيلتين.

جهود الدولة للحد من الظاهرة

الحملات الأمنية: تكثيف الوجود الأمني وضبط الأسلحة غير المرخصة، جلسات الصلح العرفي: تنظيمها بمشاركة القيادات الشعبية والتنفيذية ورجال الدين، لإنهاء خصومات عمرها عشرات السنين.

التنمية والتوعية: الدولة تؤكد أن المواجهة لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تشمل خططًا للتنمية ونشر ثقافة التسامح عبر الجامعات، المؤسسات الدينية، ومنظمات المجتمع المدني.

شهادات من الأهالي

أحد أهالي قنا وصف الظاهرة قائلاً: “الثأر نار بتحرق الأخضر واليابس، والضحية الحقيقية هي الأسر الفقيرة اللي بتفقد عائلها”، بينما يرى آخرون أن جلسات الصلح ساهمت في تقليل الظاهرة مقارنة بالسابق، لكنها لم تقضِ عليها نهائيًا.

خاتمة

تظل جرائم الثأر أحد أبرز التحديات الأمنية والاجتماعية في الصعيد، إذ لا يمكن القضاء عليها بالحل الأمني وحده، المطلوب هو تعزيز الوعي، وتغيير المفاهيم الموروثة، ونشر ثقافة التسامح، مع تطبيق القانون بحزم، حتى تُطوى صفحة هذا الإرث الدموي الذي طال أمده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى