العرب والعالم

نصر أكتوبر.. من أرض المعركة إلى عقول الأجيال

من الفصول الدراسية إلى ميادين البطولة.. ذاكرة النصر تتجدد في وجدان المصريين

تحقيق – رحمة عماد

 

يبقى السادس من أكتوبر علامة مضيئة في ذاكرة المصريين، معركة يتجدد الاحتفال بها كل عام، لتخليد ذكراها في عقول المصريين، ففي الوقت الذي يروي فيه الجنود أبطال الحرب حكايات التضحية والفداء، يسعى المعلمون إلى غرس قيم النصر في عقول الطلاب، في ذات الوقت الذي يستحضر الشباب فيه تفاصيل المعركة من الكتب والسينما والزيارات الميدانية للمتاحف. هكذا يتحول النصر من حدث تاريخي إلى درس متجدد في الوطنية.

من الفصول.. نصر أكتوبر كحكاية تعليمية للطلاب

قالت نبيلة الجندي، معلمة التاريخ، إنها تحرص دائمًا على بدء حديثها مع الطلاب عن حرب أكتوبر بروح الفخر بما حققه الجيش المصري من بطولات، مؤكدة أن هذه الحرب أعادت العزة والكرامة للعرب، لافتة إلى أنها تُدرس في الكليات العسكرية بالخارج كنموذج في دقة التخطيط والتنفيذ.

وأضافت “نبيلة”، رغم عظمة نصر أكتوبر وإشادة العالم به، إلا أن المناهج الحالية لا تعكس الحدث بالصورة التي يستحقها، إذ تغفل عن بطولات وتفاصيل مهمة ينبغي أن تعرفها الأجيال الجديدة ولكنها لا تُذكر في الكتب الدراسية، مؤكدة أن هذه المناهج بحاجة إلى التطوير من حيث السرد والمحتوى.

وأوضحت “الجندي” أن الكتب الدراسية وحدها لا تكفي، بل لا بد الاهتمام بالمواقع والمنصات التعليمية، التي تساعد الطلاب على تخيل الحدث، وتمنح الطلاب رؤية كاملة أكثر إثارة وتشويقًا، مشيرة إلى أنها تلمس دائمًا حماسهم ورغبتهم في معرفة المزيد عن تاريخهم، مؤكدة حرصها على إتاحة مساحة والنقاش خلال الشرح.

وأكدت أن الفن والسينما من أهم الوسائل لتجسيد الأحداث التاريخية، وجذب المتفرج للمعرفة، غير أن بعض الأعمال قد تغير في التفاصيل كما حدث في فيلم صلاح الدين الأيوبي، إذ تم تعديل بعض التفاصيل والوقائع الأساسية لخدمة الحبكة الدرامية، وحذرت من خطورة ذلك، لأن الفن أداة قوية لترسيخ المعلومات، وإذا شُوه التاريخ عبره يصبح عُرضة للتزييف والتحريف.

وأشارت إلى أن عرض الحروب بأسلوب قصصي، خاصةً عند إبراز بطولات شخصيات محددة يكسر حاجز الملل والرتابة عند الطلاب، ويساعد على ترسيخ المعلومات في أذهان الطلاب، مؤكدة أن استخدام السبورة الإلكترونية في لعرض الفيديوهات والأحداث التاريخية تضاعف من تفاعلهم وفهمهم.

وشددت “نبيلة الجندي” على أهمية الأنشطة الطلابية المختلفة، من ندوات ومسرحيات، لما لها من دور في غرس روح الانتماء الوطني بداخلهم، وتقديم نماذج بطولية يحتذي بها الطلاب، موضحة أنها تساعد الطلاب على تخيل أنفسهم داخل الأحداث.

وأشارت إلى أن ما ميز الجندي المصري في حرب أكتوبر، كان إيمانه العميق بالله، وحبه الصادق للوطن، واستعداده للفداء بروح صابرة حتى تحقيق النصر، وهي قيم يجب أن تغرس في نفوس الطلاب عبر التعليم.

وتابعت موضحة أن الجيل الجديد لا يعايش أجواء الحرب بل عرفها من الكتب والحكايات، وما قُدم من أفلام، لذلك يظل إدراكه للتضحية والبطولة محدودًا، وأكدت أن عرض الأحداث بأسلوب تقليدي يفقدها عنصر التشويق، فالأفلام الوثائقية قد تجذب الطلاب وتقرب لهم صورة المعركة.

وأضافت: عرضنا فيلم وثائقيًا يتضمن لقاءات مع أبطال الحرب، ولاحظنا تفاعلًا كبيرًا من الطلاب الذين واصلوا طرح الأسئلة حتى نهاية الحصة، ومع تشغيل أغاني خاصة بحرب أكتوبر ازداد شعورهم بروح الانتماء.

 واختتمت نبيلة الجندي حديثها بالتأكيد على أن دراسة التاريخ تهدف إلى تقديم شخصيات تاريخية ناجحة، لتكون قدوة للأجيال، وترسيخ الإنجازات الوطنية في أذهان الطلاب، وهنا يأتي دور الكبار في تعزيز روح الانتماء عبر نقل هذه القصص، وتقديمها للجيل الجديد، وتعليم الشباب أن الاتحاد والعمل والعلم هم السلاح الحقيقي لحماية الوطن. 

٦ أكتوبر بعيون الجيل الجديد

قالت شيماء عاطف، طالبة بكلية الزراعة، أن أبرز ما يظل عالقًا في ذهنها عن حرب أكتوبر هو براعة الجنود المصريين في استخدام خراطيم المياة لعبور الساتر الترابي، في ابتكار عسكري عبقري، ساعدهم في عبور القناة، ومع اختيار موعد الحرب يوم عيد واستغلال أجازة بعض الجنود، ما يعكس مدى دقة وذكاء التخطيط العسكري.

وأشارت إلى أن المعلومات الواردة عن حرب أكتوبر في المناهج الدراسية غير كافية، إذ تغفل أحداثًا رئيسية، ولا ينقل الصورة الكاملة عن المعركة، فمن الضروري إضافتها للكتب المدرسية، حتى تصل للأجيال الجديدة بشكل أعمق، ويبقى التاريخ حيًا في عقول الطلاب.

وترى شيماء أن أجيال اليوم تعرف حرب أكتوبر عبر الحكايات والكتب والسينما فقط، على عكس أهالينا وأجدادنا فهم عاصروها، وعاشوها لحظة بلحظة، وهو ما يجعل من الضروري إنتاج أعمال وثائقية حديثة تناسب وعي الأطفال والشباب، ويجعل القصة أكثر قربًا لهم.

وقالت ولاء وليد، طالبة جامعية، أن معرفتها بحرب أكتوبر تعود إلى عام 1973 حين خاضت مصر وسوريا معركة لاسترداد الأراضي المحتلة منذ 1967، وأشارت إلى أن الرئيس أنور السادات لجأ حينها إلى خطة خداع محكمة، إذ أعلن سفر بعض القادة العسكريين الكبار لأداء العمرة، في الوقت الذي يستعد فيه الجنود لإدارة العمليات العسكرية.

وأضافت أن الحرب انطلقت في تمام الثانية ظهرًا، في وقت مميز ودقيق يعكس ذكاء التخطيط العسكري، إذ صادف يوم عيد الغفران عند الإسرائيليين والعاشر من رمضان للمصريين، وهو ما جعل عنصر المفاجأة حاضرًا بقوة. ولفتت إلى أن المهندسين المصريين ابتكروا وسيلة عبقرية لاقتحام خط بارليف باستخدام خراطيم المياه لشق ثغرات مكّنت الجنود من العبور.

وتابعت ولاء أن الحرب استمرت 19 يومًا إلى أن تدخلت القوى الدولية لإيقافها، لتستعيد مصر جزءًا من سيناء، ثم استكملت استعادة باقي الأرض بالمفاوضات التي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، والتي أعادت كامل سيناء إلى السيادة المصرية.

كما ذكرت أن أكثر شخصية أثرت فيها منذ طفولتها كانت الفريق عبد المنعم رياض، الذي ساهم في إعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 1967 بالتعاون مع الرئيس جمال عبد الناصر. وأكدت أنه كان قائدًا قريبًا من جنوده، مُشارك دائمًا في أرض المعركة، حتى استشهد في التاسع من مارس 1969، وهو اليوم الذي أصبح يُعرف بـيوم الشهيد”.

وأشارت ولاء وليد، إلى إنها زارت عددًا من الأماكن التي توثق حرب أكتوبر، أبرزها بانوراما ٦ أكتوبر بمدينة نصر، مشيرة إلى أن تجربة العروض الصوتية والمرئية داخلها جعلتها تعيش تفاصيل المعركة، وكأنها جزء من الحدث.

وأضافت ولاء أنها حرصت أيضًا على زيارة قلعة صلاح الدين والتي تحتوي على الأسلحة والزي العسكري الذي استخدمه الجنود، إلى جانب المتحف الحربي المصري والذي يضم طائرات ودبابات وأسلحة متعددة.

واختتمت حديثها قائلة: “مصر قوية بجيشها وشعبها، الذي كان ركن أساسي في الانتصار، فالجيش لم يكن وحده في المعركة بل شاركه المصريون بالدعم المادي والمعنوي، وكنت أتمنى أن أكون موجودة وقتها لأشارك مثلهم، أشعر بالفخر لانتمائي لهذا الوطن، وبجيشنا الذي يُلقب دائمًا “بأقوى جيوش الأرض”.

وقالت نجلاء هيثم، طالبة، أنها باعتبارها لم تعش فترة الحرب، استفادت كثيرًا من الأفلام والمسلسلات المصرية التي صورت الأحداث بواقعية، معتبرة أن هذه الأعمال تجعلها أكثر فخرًا ببلدها، كما تمنح الأطفال والشباب فرصة لفهم النصر من زاوية إنسانية أقرب لهم. وأشارت إلى أهمية زيادة الإنتاج الفني الذي يجسد تضحيات الجيش والشعب.

وأنهت حديثها قائلة أن أبرز الدروس التي حملتها الحرب من الحرب هو عدم اليأس والاستسلام مهما تعرضنا للهزيمة، وعدم التخلي عن حقوقنا، ومهما وقعنا فيجب أن نعود لنسترد ما سُلب منا، إلى جانب عدم الاستهانة بالعدو وضرورة الاستعداد لكل الاحتمالات، مستشهدة بقصة رأفت الهجان الذي أرسل جميع الأوراق والمعلومات التي تحذر من احتمال هجوم إسرائيل، ولكنهم لم يأخذوها على محمل الجد، فكانت الهزيمة في 1967، لتأتي حرب أكتوبر وتعيد الثقة والانتصار.

وتقول ملك عماد، طالبة، إنها تعرف بعض التفاصيل عن حرب يونيو 1967، حيث شنت إسرائيل هجومًا على مصر وسوريا ودول عربية أخرى، واستمرت المعارك نحو سبعة أيام انتهت باحتلال أراضٍ واسعة من بينها القدس وسيناء. كان جمال عبد الناصر وقتها رئيسًا لمصر، لكنه أعلن تنحيه بعد الخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات، قبل أن يعود من جديد ليستكمل مسيرة إعادة بناء الجيش.

وتشير إلى أن هذه الفترة شهدت بناء خط بارليف على الضفة الشرقية لقناة السويس، وهو تحصين ترابي هائل ملغم بالألغام. وخلالها دخلت مصر في ما عُرف بـحرب الاستنزاف، التي تضمنت معارك على القناة وأدوارًا بارزة للمخابرات، إلى جانب ضغوط أمريكية على عبد الناصر للقبول بتسوية، إلا أنه تمسك باستعادة الأرض كاملة بالقوة.

بعد وفاة عبد الناصر عام 1970 تولى أنور السادات الحكم، وحاول بداية طرح مبادرات سلام لكن إسرائيل رفضتها، ليصبح الخيار الوحيد هو الحرب. فتعاونت مصر مع سوريا للتخطيط لعملية هجومية كبيرة يقودها الفريق سعد الدين الشاذلي، هدفها عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف، والتوغل داخل سيناء لمسافة 11 كيلومترًا، بما يسمح بحماية القوات المصرية تحت مظلة الصواريخ.

في السادس من أكتوبر 1973، الساعة الثانية ظهرًا، شن الجيش المصري هجومه المفاجئ في يوم الغفران اليهودي والعاشر من رمضان. عبرت القوات قناة السويس، وهدمت الساتر الترابي باستخدام مضخات المياه، بينما شنت الطائرات المصرية غارات مركزة على مواقع إسرائيلية. وفي الوقت نفسه تقدمت القوات السورية على جبهة الجولان. ومع تصاعد القتال ظهرت خلافات بين السادات والشاذلي حول التقدم أكثر شرقًا، ما أدى لخسائر كبيرة في الأرواح والدبابات المصرية.

وتوضح أنها تعرف أيضًا أن الموقف تطور بقرار بعض الدول العربية استخدام سلاح النفط للضغط على الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل، ما تسبب في أزمة عالمية. وفي 28 أكتوبر تم إعلان وقف إطلاق النار، لتبدأ مفاوضات السلام التي انتهت بزيارة السادات إلى القدس وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. وتضيف أن اغتيال السادات في ذكرى نصر أكتوبر عام 1981 كان محطة صادمة في التاريخ المصري.

حكايات الجنود على جبهة القتال

قال رفعت عطوة، أحد الجنود المشاركين في حرب أكتوبر، إن مهمته كانت في سلاح الإشارة، حيث تولى إرسال الخطوط للقيادة التي تنقل التعليمات للنسق الأول المهاجم. وأوضح أن قواتهم عبرت قناة السويس يوم السابع من أكتوبر، بعد العبور الرئيسي للقوات يوم السادس. ويضيف: “أول يوم في الانتصار بكينا من الفرحة، فقد استعدنا كرامتنا وعزتنا”.

وأشار عطوة إلى أن أصعب اللحظات كانت عند العبور، عندما واجهت القوات المصرية دفاعات إسرائيلية شرسة، لكن الدفاع الجوي المصري سيطر على السماء بفضل صواريخ “سام 6″ و”سام 7” التي أسقطت الطائرات الإسرائيلية، حتى أن بعض الطيارين رفضوا الإقلاع مجددًا. ويذكر أن هذه السيطرة استمرت حتى السابع عشر من أكتوبر.

ويتوقف عطوة في حديثه، عند دور بعض القيادات العسكرية التي تركت بصمة قوية في ذاكرته، مثل اللواء أحمد بدوي قائد الجيش الثاني الميداني، الذي وصفه بالقوي وصاحب الدور المؤثر في الحرب، إلى جانب قادة الفرقة 19 الذين نجحوا في فتح الممرات وتدمير خط بارليف، كما كشف أن الاستطلاع المصري تمكن قبل الحرب بثلاثة أشهر من شل حركة خط بارليف لمسافة 170 كيلومترًا، في الوقت الذي كانت وحدات أخرى تقوم بعمليات تمويه لخداع العدو.

وعن لحظة انطلاق المعركة، قال إن كل قائد تسلم ظرفًا في الساعة الثانية والنصف ظهرًا، يحتوي على رسالة معنوية للجندي المصري، تبدأ بنداء: “أيها الجندي المصري.. أيها البطل المصري.. حان الآن استرداد الكرامة والعزة والحقوق”.

 وأوضح أن الجنود لم يكونوا على علم بموعد الحرب، إذ اعتقدوا أن ما يحدث مجرد مشاريع، ومع بدء التنفيذ، جرى تدمير المطارات والرادارات الإسرائيلية وشل نظم اتصالاتها حتى المساء، بينما كانت كل وحدة مصرية تنفذ مهامها بدقة، بدءًا من عبور المشاة بالقوارب المطاطية، ثم تدمير الساتر الترابي، وصولًا لعبور الدبابات والفرقة الهجومية بقيادة الفريق عبد المنعم واصل.

ورغم الانتصارات، تحدث عطوة عن التحديات ومنها ما عُرف بـالثغرة، حيث حاولت القوات الإسرائيلية التسلل عبر فجوة بين الجيشين الثاني والثالث في منطقة السويس والإسماعيلية، لكن الفرقة الرابعة المصرية تمكنت من تدمير قوات العدو وإفشال خطته. ويرى أن الدرس الأبرز من الحرب هو أن مصر استعادت عزتها وكرامتها، وأثبت جيشها وجوده ومكانته عالميًا، لكنه يشير إلى خطأ وحيد تمثل في أن اللواء 109 كان يحميه مشاة فقط، بينما كان يجب دعمه بالدبابات والمدفعية.

وفي ختام شهادته، وجّه عطوة رسالة للشباب دعاهم فيها للاعتماد على النفس والثقة بالقيادة والوطن، والاستعداد الدائم لأي طارئ، مؤكدًا أن إسرائيل ستظل العدو الأول لمصر، وأن معرفة تفاصيل الحرب ضرورة للأجيال الجديدة حتى يتعلموا منها معنى التضحية والانتصار.

وفي الختام، يبقى نصر أكتوبر ملئ بالدروس والعِبر التي ينبغي أن تُورث للأجيال القادمة، ورسالة خالدة تحمل رسائل تتجدد مع مرور العقود، فقد عاش الشعب المصري دائمًا بفخر، وسيبقى هكذا ما دام حب الوطن خالد في وجدان أبنائه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى