“من الراحة إلى الأرق”.. كيف دمّرت الشاشات توازن نومنا؟
التكنولوجيا تُسهل الحياة لكنها تسرق النوم!

تقرير- ميريهان عماد
مقدمة
في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية، من العمل إلى الترفيه وحتى التواصل الاجتماعي، يتزايد القلق من الآثار الصحية الخفية لهذا الاستخدام المفرط، فبينما توفر التكنولوجيا سهولة وسرعة في إنجاز المهام، فإنها تحمل في طياتها مخاطر جسدية ونفسية أثبتت الدراسات الحديثة تزايدها بشكل مقلق، بدءًا من اضطرابات النوم وصولًا إلى التأثير على الجهاز العصبي، خاصة لدى الأطفال.
الاستخدام المفرط للشاشات.. خطر خفي على الصحة العامة
لا تقتصر المشكلة على نوع الجهاز أو التطبيق المستخدم، بل ترتبط بطبيعة ومدة التعرض للشاشات، سواء كانت عبر الهاتف المحمول أو التلفزيون أو غيرها من الأجهزة الإلكترونية، وأوضح خبير الصحة العالمي أن زيادة استخدام الهواتف الذكية تقلل من ساعات النوم وترفع معدلات القلق بنسبة تصل إلى 63%، مؤكدًا أن المسافة بين المستخدم والجهاز تُعد عاملًا مهمًا في تقليل الأضرار، كما أشار إلى أن إهمال تنظيف شاشة الهاتف قد يؤدي إلى انتقال الفيروسات والبكتيريا التي تصيب العينين، وربما تصل تأثيراتها إلى المخ.
الأطفال.. الفئة الأكثر تأثرًا بالمخاطر العصبية
تُعد خلايا المخ غير قابلة للتجدد عند تلفها، ما يجعل الأطفال أكثر عرضة للمضاعفات الناتجة عن استخدام الشاشات، إذ تؤثر هذه العوامل على نمو الدماغ وتطوره، فالدقائق القليلة أمام الهاتف قبل النوم قد تحرم الطفل من ساعات راحة كافية، وتترك أثرًا طويل الأمد على قدراته الذهنية وصحته مستقبلًا.
الميلاتونين هرمون النوم الذي تعطّله الشاشات
إن قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات، سواء كان هاتفًا أو جهازًا لوحيًا أو حاسوبًا، خصوصًا في ساعات الليل، قد يؤثر بشكل مباشر على جودة النوم والمزاج العام، ويعود ذلك إلى انخفاض مستوى الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم دورة النوم والاستيقاظ، وتفرز الغدة الصنوبرية هذا الهرمون استجابةً للظلام، لتُرسل إشارة للجسم بأن وقت النوم قد حان، إلا أن الضوء المنبعث من الشاشات يعطّل هذه العملية، مما يؤدي إلى اضطراب النوم والشعور بالتعب والقلق.
راي المختصون
قال الدكتور فادي صفوت، أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان في مصر، إن تضارب نتائج الدراسات حول تأثير الشاشات على النوم أمر طبيعي، وغالبًا ما يرتبط باختلاف حجم العينة أو ظروف البحث، وأوضح أن الاعتماد على الدراسات الكبيرة والمتوافقة في النتائج هو الأدق، مشيرًا إلى أن الأبحاث الواسعة ما زالت تؤكد تأثير استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم على جودة النوم والصحة العامة.
المراهقون والنوم ساعتان أمام الشاشة كفيلتان بالأرق
كشفت دراسة شملت نحو 10 آلاف مراهق تتراوح أعمارهم بين 16 و19 عامًا، أن قضاء أكثر من ساعتين يوميًا أمام الشاشات بعد المدرسة يرتبط ارتباطًا وثيقًا باضطرابات النوم والأرق، وأوضحت الدراسة أن غالبية المشاركين، ومعظمهم من النرويج، يستخدمون الأجهزة الإلكترونية قبيل ذهابهم إلى النوم، مشيرين إلى أنهم ينامون أقل من خمس ساعات ليلًا، وفقًا لما نشرته مجلة “BMJ Open” الطبية.
خاتمة
يبقى الاستخدام المفرط للشاشات تحديًا صحيًا يواجه المجتمعات الحديثة، يتطلب وعيًا جماعيًا وإجراءات وقائية جادة، سواء من الأسر أو المؤسسات التعليمية أو الجهات الصحية، فالمسألة لا تتعلق فقط بالوقت الذي نقضيه أمام الأجهزة، بل بكيفية إدارتنا لهذا الوقت وتحديد حدود واضحة لاستخدامها، حفاظًا على الصحة الجسدية والعقلية للأجيال الحالية والقادمة.