الأديب الهنغاري كراسناهوركاي.. كاتب الظلال الذي أسرت أعماله نوبل
رحلة الأدب بين الظلال والخراب.. كيف أعاد كراسناهوركاي تعريف الوجود الإنساني

تقرير – رحمة عماد
مقدمة
رحلة مليئة بالتمرد والتأمل، خاض الأديب الهنغاري لاسلو كراسناهوركاي، من عازف موسيقى مغمور إلى واحد من أبرز الأصوات الأدبية في أوروبا، فبأسلوبه القائم على الجمل الطويلة وعالم كافكا المُظلم، استطاع أن يصنع لنفسه بصمة خاصة جعلته يستحق جائزة نوبل للآداب لعام 2025.
السيرة الأولى لكاتب نوبل 2025
بدأ كراسناهوركاي مسيرته عاشقًا للموسيقى، دون أن يدرك أن طريقه سيقوده يومًا إلى الأدب. فقد انشغل في شبابه بالعزف مع فرق روك وجاز، قبل أن يكتشف شغفه بالكتابة، ويترك وراءه حلم الموسيقى ليبدأ رحلة جديدة نحو عالم الرواية.
طفولة في ظل الشيوعية وهروب من التجنيد
وُلد لاسلو في قرية جيولا الصغيرة جنوب شرق هنغاريا في المجر، عام 1954، في ظل الحكم الشيوعي، وجاء من أسرة متوسطة، حيث كان والده محاميًا، وكانت والدته تعمل في وزارة الرعاية الاجتماعية.

وفي فترة شبابه، هرب كراسناهوركاي من التجنيد وعُوقب، ثم اتجه للعمل في مهن بسيطة، مثل: عامل في أحد المناجم، وحارس ليليًا، وساعدته الأخيرة في قراءة بعض من أعمال فيورد دوستويفسكي، ورواية “تحت البركان” للكاتب مالكوم لوري، التي وصفها بالمرجعية.
كان تخصص لاسلو اللغة والأدب المجري، رغم رغبته الأولية في دراسة المحاماة، وكان أقرب الكُتاب الأقرب إلى قلبه فرانز كافكا وعوالمه السوداوية التي تُظهر ثُقل الوجود البشري.
أولى الروايات التي كشفت ملامح مشروعه الأدبي
ونشر الأديب الفائز بنوبل نصوصه الأولى عام 1977، وذلك بعد دراسته الثرية في جامعتي سيجد وبودابست، قبل أن ينشر أولى أعماله رواية “ساتانتاغو” عام 1988، والتي تصور حياة قرووين فقراء قبيل انهيار الشيوعية، وحققت نجاحًا واسعًا لتتحول إلى فيلم عام 1994.

وكان للنظام الشيوعي الذي أحاط بالمجر آنذاك الأثر المباشر في رسم توجهات وأفكار لاسلو الأدبية، ما جعل معظم أعماله الروائية تنذر بالتعفن القيمي واضمحلال الأمل المحرك في غد أفضل، وهو العنصر الأساسي في العيش بسعادة.
وكانت إحدى مقولات لاسلو كراسناهوركاي الشهيرة يقول فيها: “أكتب لأنني لست سعيد ولوكنت كذلك لما آلفت الكتب“. وكانت لتجربته الشيوعية إلى جانب رحلاته المتعددة نحو آسيا وبقية أوروبا، دور بارز في تناوله لقضايا كبرى تشغل الإنسان الغربي ولا تقتصر على المجر.
عوالم سوداوية وأفكار فلسفية في أعماله
من أبرز رواياته “تانغو الشيطان” وفيها يتم الإعلان عن عودة شخصية أسطورية والتي تُعد بمثابتة حلم الخلاص للقرية الشبه منسية، ولكنها تستغل الجميع لتحقيق مصالحها وأهدافها الشخصية.

وتأتي الرواية الثانية بعنوان “كآبة المُقاومة” التي تتناول حكاية قرية جنوب شرق المجر، التي تتعرض لتهديد مجهول، ويغرق المجتمع في دوامة من العنف مع وصول سيرك وعرض حوت ضخم محنط ويسبب فوضى عارمة.
وتم تصنيف رواية “كآبة المقاومة” بأنها نقد للشيوعية وللأوليغارشيا التي تجاوزها الواقع بتحدياته التي تحتاج لحلول تنقذ القرية من الفساد والاظطرابات المهيمنة، وتم تحويلها أيضًا إلى فيلم سينمائي.

ومن أعماله الروائية أيضًا: رواية “عودة البارون وينكهايم” وقال لاسلو عن شخصية وينكهايم في روايته: لم يحب أحدًا ولم يحبه أحد، وهذا يناسبه تمامًا، كان الاحترام شيئًا آخر، لا داعي للقول، ليس لأنه كان لا يهتم بل هذا كان آخر ما يقلقه”.
الذئب الأخير.. رمزية الكائن والإنسان
وفي رواية “الذئب الأخير“، تحدث عن جانب من شخصية الذئب تشبه صنفًا بشريًا مفقودًا، فيقول إن: “الذئاب لا تتحرك من موطنها لأنها مصدر فخرها، إنها تُضاعف الحذر والذكاء والحيلة والشجاعة، لكنها لا ترحل أبدًا وهذا ما لا يفهمه أحد، لا تترك ما يصبح ملكًا لها إلى الأبد، وهنا قاعدة ومبدأ يقود أفكارها ويُحدد وجودها”.
تُرجم لكراسناهوركاي العديد من الأعمال باللغة الإنجليزية، غير أن بعضًا من مؤلفاته ما زال حبيس اللغة المجرية، لا سيما مقالاته الفكرية المتأخرة التي تمزج بين الفلسفة والتأمل الروحي، ومن أبرزها: “مدن تركها السماء”، “تعاليم الصمت”، و”من يوميات شرقية”.
تُعد هذه المقالات بمثابتة العدسة المكبرة لجانب خفي من الأديب لاسلو، الباحث عن المعنى داخل العزلة والصمت، والخراب الروحي
وتأتي بجانبها سلسلة من المقالات التي تتناول الأدب الصوفي الآسيوي وتأثير التجربة الشرقية على مخيلته، ولم تترجم بعد، مما يجعل فوزه بجائزة نوبل فرصة لإعادة اكتشاف مشروعه الأدبي كاملًا.
الروايات التي عبرت حدود المجر
أما عن الروايات التي تُرجمت إلى الإنجليزية، فهناك رواية “عمل تمهيدي من أجل قصر”، والتي تمزج بين السرد الرمزي وتجارب العزلة الفكرية.
وهناك رواية “مشروع مانهاتن” رواية قصيرة تظهر المعرفة كقوة مدمرة، وتُعيد النظر في حدود الإنسان أمام نتاجه العلمي، بالإضافة إلى الذئب الأخير، والتي تُروى في جملة واحدة طويلة داخل حانة برلينية.
أسلوب مختلف ولغة تتحدى القارئ
تتسم كتابات لاسلو كراسناهوركاي بأسلوب فريد يقوم على الجمل الطويلة المتدفقة التي تمتد أحيانًا إلى فقرات كاملة، بينما قد تصل الفقرة الواحدة إلى صفحات دون فواصل أو نقاط، مما يجعل القارئ في حالة تأمل وإعادة قراءة دائمة؛ لترتيب الأفكار والصور والتراكيب.
وقد وصفته الناقدة سوزان سونتاغ ب”سيد نهاية العالم“، نظرًا اتسمت أعماله بالعمق والسخرية، ومن أبرز رواياته “كآبة المقاومة” 1989، “حرب وحرب” 1999، اللتين تجسدان رؤيته القاتمة للعالم ومعاناته الوجودية.
من مان بوكر إلى نوبل.. اعتراف عالمي بالتميز
نال كراسناهوركاي جائزة مان بوكر الدولية عام 2015، ويُعد ثاني مجري يحصل على جائزة نوبل بعد إيمري كيريتس عام 2002، كما فاز بجائزة أفضل كتاب مُترجم عن روايته الشهيرة “ساتانتاغو” عام 2013.
جائزة نوبل.. تكريم يستحقة سيد نهاية العالم

جاءت أسباب اختياره كراسناهوركاي لجائزة نوبل للآداب، تقديرًا لتنوع أسلوبه الأدبي، الذي يجمع بين التأمل العميق المُستلهم من الثقافات الشرقية والسرد الملحمي، إذ تركت رحلاته إلى الصين واليابان أثرًا واضحًا في رؤيته الفكرية وملامح كتاباته.
جائزة نوبل.. رمز للإنجاز الأدبي والفكري
تُعد جائزة نوبل من أرقى الجوائز الأدبية العالمية، وتُمنح سنويًا لكاتب أو شاعر أو مفكر، منح للمجال الأدبي إسهامًا مميزًا في تطوير الأدب الإنساني، وتعود الجائزة إلى وصية مخترع الديناميت السويدي ألفريد نوبل، الذي أراد أن تُخلّد إنجازات السلام والفكر والإبداع.

وعلى مر السنين، نال الجائزة أدباء بارزون تركوا بصمتهم في التاريخ الأدبي، وأبرزهم: ويليام فوكنر، ونستون تشرشل، وأورهان باموق، وصولًا إلى الكابتة الكورية هانج كانج، التي فازت بجائزة نوبل للآداب عام 2024.
خاتمة
بفوزه بجائزة نوبل، لا يُكرَّم كراسناهوركاي كروائي فقط، بل كمفكر أعاد تعريف الأدب كأداة للتأمل في الوجود، وبين العزلة والخراب، والشرق والغرب، يقف الأديب الهنغاري شاهدًا على أن المعاناة قد تكون الطريق الأصدق نحو الخلود الأدبي.
المصادر:
●https://www.elbalad.news/6725574
●https://www.shorouknews.com/mobile/news/v
●https://www.okaz.com.sa/variety/na/2217010
●https://www.almayadeen.net/arts-