
تقرير: إنچى هشام
مقدمة
تُعدّ القيادة المتهورة من أخطر السلوكيات على الطرق، إذ تتسبب في حوادث مميتة وخسائر جسيمة، ورغم التحذيرات، يواصل بعض السائقين الاستهتار بالقوانين، يسلّط هذا التقرير الضوء على أسباب الظاهرة ونتائجها وطرق الحد منها لحماية الأرواح والمجتمع.
تفشي ظاهرة الطيش بين الشباب وأسبابها
حولت القيادة المتهورة والسرعة الجنونية إلى ظاهرة منتشرة بين شباب لبنان، حتى دون بلوغهم الثامنة عشرة، لتصبح سبباً رئيسياً في الحوادث القاتلة والإصابات الخطيرة، وتعود هذه الظاهرة إلى عدة أسباب، منها حماسة الشباب وقلة خبرتهم في القيادة، وضعف الرقابة المرورية، وسوء حالة الطرق والبنى التحتية، وغياب الإنارة الكافية، إضافة إلى ضعف اختبار القيادة وإمكانية الحصول على رخصة من دون امتحان، فضلاً عن استيراد سيارات تفتقر إلى معايير السلامة العامة، هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ارتفاع خطير في نسبة الوفيات والإعاقات الناتجة عن الحوادث.
حكايات شبابية مؤثرة ورسائل تحذيرية
تشكل تجارب بعض الشباب خير دليل على خطورة الطيش، فالشاب إيلي الرحباني تعرض لحادث مروع أصابه بشلل رباعي، لكنه استطاع بعد علاج طويل استعادة نشاطه وقيادة سيارته بنفسه ومتابعة دراسته في علوم الكمبيوتر، إلى جانب عمله وممارسته الرياضة، مؤكدًا ضرورة تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية للحد من الحوادث، كذلك، يروي مهدي زعيتر أنه بدأ القيادة قبل سن الرشد دون علم والديه، وواصل تهوره حتى تسبب حادث في وفاة عدد من أقاربه، ما دفعه إلى التوبة عن السرعة والمشاركة في حملات توعية ضد القيادة الطائشة.
جهود جمعية “اليازا” ودور التوعية
يشير زياد عقل، مؤسس جمعية اليازا الدولية للسلامة المرورية، إلى أن زيادة عدد الرادارات وتكثيف المراقبة المرورية يؤديان إلى تقليل حوادث الطيش بين الشباب، موضحًا أن السرعة في الدول المتقدمة تعتبر رياضة منظمة، بينما تتحول في لبنان إلى خطر مميت بسبب غياب التنظيم، أما روجيه عقل، الذي فقد شقيقه في حادث سير عام 1996، فقرر تحويل حزنه إلى عمل توعوي، فشارك في تأسيس الجمعية ونظم حملات في المدارس والجامعات والإعلام، ويؤكد أن الدولة تتساهل في تطبيق القوانين الرادعة، وأن قلة من الشباب يدركون عواقب تهورهم قبل فوات الأوان.
إقرأ المزيد
آثار نفسية ودعوات لتعزيز السلامة العامة
تترك حوادث السير آثاراً نفسية مدمرة على عائلات الضحايا، كما توضح باميلا إبراهيم التي فقدت شقيقها رالف بسبب غياب شروط السلامة في مشاريع الطرق، مطالبة الدولة بتوفير الجسور ومقومات الأمان الأساسية وتشير إلى أن بعض الأهالي يحولون حزنهم إلى نشاط مجتمعي يخدم التوعية المرورية. وتكشف تقارير “اليازا” أن بين 30 إلى 40% من ضحايا الحوادث يصابون بإعاقات مؤقتة أو دائمة، أو يعانون صدمات نفسية شديدة، ما يستدعي جهوداً وطنية شاملة من الدولة والأهالي والمنظمات الأهلية لوقف نزيف الدم على الطرق اللبنانية.
القيادة المتهورة خطر يهدد الأرواح والمجتمعات
تُعدّ القيادة بتهور ظاهرة خطيرة تتجاوز كونها تصرفًا عابرًا، إذ تمثل أحد أبرز أسباب الحوادث القاتلة في العالم، ويقصد بها تجاوز قوانين المرور، كالسرعة الزائدة، والانشغال بالمشتتات، والتجاوزات العدوانية غير المبررة، تشير الإحصائيات إلى أن نحو 30% من الوفيات المرورية عالميًا سببها القيادة المتهورة، بينما تزداد خطورتها في العالم العربي نتيجة ضعف الالتزام بالقوانين والرغبة في الاستعراض، خاصة بين الشباب الذين يمارسون ما يُعرف بـ“التفحيط” والسباقات غير القانونية، مما يسبب خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، ويزيد الضغط على منظومات الصحة والسلامة العامة.
الأسباب النفسية والاجتماعية وراء التهور
تعود القيادة المتهورة إلى عوامل نفسية واجتماعية متعددة، أبرزها المراهقة وحب الاستعراض، إذ يسعى الشباب – خاصة الذكور – لإثبات الذات وإثارة الإعجاب عبر القيادة بسرعة أو أداء حركات خطيرة، كما تؤثر وسائل الإعلام التي تمجد هذا السلوك في الأفلام والإعلانات، ما يعزز فكرة أن التهور دليل على القوة والجرأ، على الصعيد الأسري، قد يُسهم تساهل الوالدين أو ضعف الرقابة الأسرية في تفاقم المشكلة، بينما يشير علم النفس إلى أن هذا السلوك قد ينشأ من الرغبة في السيطرة أو الهروب من الضغوط، وغالبًا ما يعكس عدم النضج العاطفي وعدم القدرة على تقييم المخاطر.
العواقب المأساوية وأثرها النفسي والاجتماعي
تُسبب القيادة المتهورة خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، إذ تؤكد الدراسات أن السرعة الزائدة والتجاوزات الخاطئة مسؤولة عن نسبة كبيرة من الحوادث المميتة. كما تخلّف الحوادث إعاقات دائمة وصدمات نفسية عميقة لدى الناجين وأسر الضحايا، قد تؤدي إلى الاكتئاب أو الخوف من القيادة، وتُسجل خسائر مادية ضخمة نتيجة تدمير المركبات والبنية التحتية، تُقدّر بملايين الدولارات سنويًا، ومن الأمثلة المأساوية، حادث وقع بسبب تجاوز إشارة حمراء، أودى بحياة عائلة كاملة، وأدى إلى سجن السائق المتهور، ما يُظهر أن لحظة تهور قد تدمّر أكثر من حياة واحدة.
طرق الوقاية والتوعية المجتمعية
الحد من القيادة المتهورة يتطلب استراتيجية شاملة تقوم على ثلاثة محاور:
التكنولوجيا الحديثة: مثل أنظمة الفرملة التلقائية، وأجهزة مراقبة السرعة، وتنبيه السائق عند الانحراف، والتي تُقلل الحوادث بنسبة تصل إلى 40%.
التثقيف والتوعية: عبر إدخال برامج توعوية في المدارس والجامعات، وحملات إعلامية واقعية تُظهر خطورة التهور، وتشجيع السائقين الملتزمين بحوافز وتأمينات مخفّضة.
العقوبات الرادعة: من خلال فرض غرامات كبيرة، وسحب الرخص، وتطبيق نظام النقاط المرورية، واستخدام الكاميرات الذكية للمراقبة الدقيقة.
كما تؤكد القصص الواقعية مثل قصة “علي” – الشاب الذي نجا من حادث مروع وكرّس حياته لنشر الوعي – أن التوبة من التهور ممكنة، وأن القيادة الآمنة ليست فقط التزامًا قانونيًا، بل قيمة إنسانية تحافظ على الحياة وتبني مجتمعًا أكثر أمانًا.
لقراءة المزيد من التفاصيل
خاتمة
مكافحة القيادة المتهورة مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الجميع، فالالتزام بقوانين المرور، والاستفادة من التقنيات الحديثة، ونشر الوعي بين الأجيال، هي مفاتيح الحد من الحوادث وإنقاذ الأرواح، فلنجعل من القيادة الآمنة سلوكًا حضاريًا نلتزم به جميعًا من أجل طرقٍ أكثر أمانًا ومستقبلٍ خالٍ من التهور.