أخبار

أزمة عزوف الشباب عن القراءة وسبل معالجتها

القراءة

تقرير: إنجي هشام

مقدمة

في زمن تتعدد فيه مصادر المعرفة بين المقروءة والمسموعة والمرئية، تبقى القراءة حجر الأساس لكل علم وتطور، فهي التي تبني العقول وتصنع الحضارات، ومع ذلك، يشهد العالم العربي أزمة حقيقية في الإقبال على القراءة، خصوصًا بين فئة الشباب، هذا التراجع الثقافي ينذر بخطر على مستقبل الأمة، ويستدعي البحث في أسبابه وسبل معالجته.

القراءة أساس الحضارة وواقع مؤلم للأمة العربية

تُعد القراءة الركيزة الأساسية للعلم والتقدم، ومفتاح النهضة والرقي في أي أمة، ولأن الإسلام جعل من القراءة أول أمرٍ نزل في القرآن الكريم {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، فهي تمثل جوهر الحضارة والمعرفة، إلا أن واقع الأمة العربية اليوم يعكس مفارقة مؤلمة، إذ تشير الدراسات إلى تدنّي معدلات القراءة بشكل حاد، حيث خلص مؤشر القراءة العربي بالتعاون مع الأمم المتحدة إلى أن العربي لا يقرأ سوى بضع ساعات سنويًا خارج الإطار الدراسي، كما أظهر استطلاع “ياهو” أن ربع سكان العالم العربي نادرًا ما يقرؤون الكتب، وأن الاهتمام بالكتاب يأتي في المرتبة 153 ضمن اهتمامات المستخدمين العرب في “غوغل”، وكشفت تقارير مؤسسة الفكر العربي بالقاهرة أن معدل القراءة العربي لا يتجاوز 4% من نظيره في إنجلترا، فيما تنتج دور النشر العربية مجتمعة أقل من نصف ما تطبعه إسرائيل سنويًا، مما يعكس أزمة ثقافية وفكرية عميقة تهدد مستقبل الأجيال.

القراءة

الأسباب التعليمية والمجتمعية لعزوف الشباب عن القراءة

يرجع ضعف إقبال الشباب العربي على القراءة إلى عدة أسباب جوهرية، أبرزها النظام التعليمي القائم على التلقين والحفظ بدلًا من التحليل والنقد، ما يجعل الكتب الدراسية جافة وغير مشوقة، فتولد نفورًا من القراءة منذ الصغر، كما أن غياب الوعي المجتمعي بأهمية القراءة، وقلة التوجيه نحو الكتب المفيدة، يساهمان في ضعف الثقافة العامة، يضاف إلى ذلك أن الأسرة والمدرسة لم تنجحا في غرس عادة القراءة في الأطفال مبكرًا، مما جعل الأجيال الجديدة تنشأ دون ارتباط عاطفي بالكتاب، ومع انتشار الإنترنت ووسائل الترفيه، أصبح الشباب يقضون معظم أوقاتهم أمام الشاشات في التسلية بدل التعلم، بينما يفضل كثيرون الحصول على المعلومات بسرعة من الشبكة بدل البحث في الكتب، كما أن ارتفاع أسعار الكتب وندرة المبادرات التحفيزية مثل المسابقات والدورات الثقافية، فاقما من عزوفهم عن القراءة.

رابط المصدر  

التحديات الثقافية وضعف الحوافز والكتاب الجاذبين

إضافة إلى الأسباب التعليمية والاجتماعية، تعاني الساحة الثقافية العربية من ندرة الكتّاب الموهوبين القادرين على جذب القارئ بأسلوب ممتع وهادف، في حين تنتشر الكتب التجارية المليئة بالحشو مثل كتب الطبخ والخرافات والغرائب، التي تجذب الشباب للترفيه أكثر من التثقيف، كما تفتقر المجتمعات العربية إلى مسابقات تشجع على القراءة والتلخيص، وإلى تقدير حقيقي للمثقفين والعلماء، في مقابل تمجيد نجوم الفن والرياضة، هذا التناقض جعل الشباب يفقدون الحافز لاتباع طريق المعرفة، وتركزت اهتماماتهم في الأمور التافهة، ولذا فإن معالجة أزمة القراءة تتطلب إصلاح النظام التعليمي، وتحفيز الأسر والمؤسسات الثقافية، ودعم الكتّاب المبدعين القادرين على إعادة الكتاب إلى مكانته الطبيعية في حياة الأجيال.

قراءة

جذب الأطفال إلى عالم القراءة

بيّنت الكاتبة الإماراتية نورة النومان خلال ندوة بعنوان “أدب اليافعين” في معرض الشارقة الدولي للكتاب، أن تشجيع الأطفال على القراءة يتطلب اتباع أساليب عملية وجاذبة، مثل تنظيم حملات لتوزيع الكتب المجانية، وتقديم قصص تدور حول شخصيات وموضوعات قريبة من اهتماماتهم، وأكدت أن الأطفال بحاجة إلى كتب تعكس واقعهم وتعبّر عنهم، لا تلك المفروضة عليهم في المدارس دون شغف أو ارتباط.

تحديات اللغة وتأثير السوق في أدب اليافعين

لفتت النومان إلى أن الكثير من أبناء الجيل الجديد في الإمارات يميلون إلى القراءة باللغة الإنجليزية، نتيجة انغماسهم المستمر في المحتوى الأجنبي عبر الألعاب والأفلام ومواقع التواصل، وفي السياق نفسه، عبّرت الكاتبة جوان سي هيلهاوس عن قلقها من خضوع أدب اليافعين لمعايير السوق العالمية، داعية إلى كتابة قصص تعبّر عن ثقافة الشباب المحليين وواقعهم، مؤكدة أن اليافعين قادرون على التمييز بين الأدب الجيد والرديء متى قُدم بطريقة قريبة من عالمهم.

قراءة

الأسرة ودورها في ترسيخ عادة القراءة

وركزت الكاتبتان على أن الأسرة تمثل الركيزة الأولى في غرس حب القراءة، فالأبوان حين يمارسان القراءة أمام أبنائهما يكونان قدوة مؤثرة، كما دعتا إلى تهيئة بيئة منزلية محفزة تتضمن مكتبة صغيرة أو زاوية مخصصة للقراءة، لأن الاهتمام العائلي بالكتب يسهم في بناء علاقة دائمة بين الطفل والقراءة، ويجعلها جزءًا أصيلًا من حياته اليومية.

رابط المصدر

التكنولوجيا بوابة نحو القراءة الحرة

ورأت الكاتبتان أن استغلال الوسائل التكنولوجية التي يفضلها الشباب، مثل الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية، يمكن أن يشكل جسرًا للعبور نحو القراءة، سواء عبر الكتب الإلكترونية أو المسموعة،كما شددتا على أهمية منح اليافعين حرية اختيار ما يقرؤون، لأن ذلك يساعدهم على اكتشاف اهتماماتهم وتنمية شغفهم بالمعرفة، مما يعزز علاقتهم الحقيقية بعالم الكتب.

قراءة

خاتمة

القراءة هي الطريق الأقصر نحو الوعي والتقدم، وهي السلاح الحقيقي في مواجهة الجهل والتخلف، لذا يجب أن نعيد النظر في علاقتنا بالكتاب، وأن نغرس في نفوس شبابنا حب القراءة منذ الصغر، لا بالإجبار بل بالتشجيع والقدوة، فلنجعل من كل يوم فرصة لاكتساب معرفة جديدة، لأن أمة تقرأ هي أمة قادرة على النهوض وصناعة مستقبل أفضل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى