أخبار

من يقرر أي حرب تستحق العدسة.. السودان والكونغو”دفاتر الموت التي لم يقرأها العالم”

بين صمت الإعلام ودماء الأبرياء.. حروب منسية خارج دائرة الضوء

زينب حسن طلبه

مقدمة

منذ أن وُلدت الصحافة، كانت الشاهدة الأولى على وجع الحروب وصوت المقهورين في زمنٍ يشتعل فيه العالم بالدم والنار، اليوم، وسط ضجيج الأخبار العاجلة وتزاحم الشاشات، هناك حروب لا تجد من يرويها، ومآسٍ لا تجد من يكتب عنها، إنها مناطق النزاع المنسية، حيث يموت الناس في صمت بينما العالم يكتفي بالمشاهدة.

من ميدان المعارك إلى مقاعد التحرير

 

في بدايات القرن العشرين، كانت الصحافة مرتبطة بالميدان مباشرة، من الحربين العالميتين إلى فيتنام، ارتبطت بالكفاح والدماء وقصص البشر، ومع مرور الزمن، تحولت التغطيات إلى لقطات سريعة تخدم أجندة متابعة الأخبار العاجلة، بينما اختفت التغطيات العميقة والمهنية. 

واقع الصحافة في السودان: الإحصائيات والحقائق

 

بعد أكثر من 18 شهرًا على الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، تدهورت أوضاع الإعلاميين في السودان بشكل حاد، توقفت الصحف الورقية للمرة الأولى منذ أكثر من 120 عامًا، وتركت نحو 90% من العاملين بلا عمل، فيما نقل أكثر من 500 صحفي حياتهم إلى دول الجوار، مثل مصر وإثيوبيا وأوغندا وكينيا، أو إلى الولايات الآمنة داخل البلاد.

وفق نقابة الصحفيين السودانيين، قُتل 32 صحفيًا، وأُصيب 11 آخرون بينهم 3 صحفيات، ووثقت 60 حالة اختطاف واحتجاز قسري و58 تهديد شخصي، إضافة إلى حالات إطلاق نار ونهب ممتلكات، في الفاشر وحدها، استهدف القصف المدنيين بما فيهم الصحفيون، ما أدى إلى مقتل 17 مدنيًا وإصابة أكثر من 30 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، في حين تعطلت 95% من المرافق الصحية والمياه النظيفة أصبحت نادرة.

 

 

أفريقيا والشرق الأوسط.. ساحات بلا شهود

في الكونغو، فر حوالي 80 ألف شخص من العنف الجنسي والنزاعات المسلحة، مع تسجيل أكثر من 60 حالة اغتصاب يوميًا، كما أغلقت 75% من الأماكن الآمنة للنساء والفتيات في جنوب السودان، وفي تيغراي واليمن وسوريا، تكررت الصور المأساوية حتى فقدت أثرها، بينما معاناة الملايين تختفي في زوايا النسيان.

حين تختار العدسة من يستحق الضوء

 

الإعلام الدولي بات يختار ما يُعرض حسب الجغرافيا والمكان والانتماء، معايير خفية تحدد من يستحق التعاطف، بينما تُهمل مناطق النزاع المنسية لصالح أخبار تجذب المشاهدين أو تخدم مصالح القوى الكبرى، فتتحول الصحافة أحيانًا إلى تجارة بالمشاعر بدل أن تكون جسرًا للوعي.

الصحافة الجديدة.. مقاومة الصمت

 

رغم الظلام، هناك جيل جديد من الصحفيين المستقلين يعمل بإمكانات بسيطة لكنه مؤمن بأن الحكاية يجب أن تُروى، يوثقون الجراح من هواتفهم المحمولة ويشعلون الضوء في العتمة، ليُذكروا العالم بأن الكلمة قد لا تُوقف الحرب لكنها ترفض أن تكون شاهد زور عليها.

 

خاتمه

ربما لم تعد الصحافة تغيّر مصائر الحروب، لكنها تظل قادرة على إنقاذ ما تبقّى من إنسانية العالم، حين تصمت العدسات عن الألم، يصبح القلم آخر ما يملكه الضمير، في زمن تُقاس فيه كل شيء بالأرقام، تظل الصحافة الحقيقية هي الصوت الذي لا يساوم، يكتب لتشهد، وتصرخ كي لا يُمحى الإنسان من الذاكرة

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى