أخبار

جدلية العلاقة بين الفنان والمتلقي “التشكيل ما بين رؤى الفنان و وعي المتلقي”

التشكيل حوار متجدد بين وعي الفنان وإدراك المتلقي

بقلم/ لمياء بدران

للباحثة في الجماليات التشكيلية الأردنية تهاني المرافي 

يُعدّ الفن التشكيلي أكثر من مجرد ألوان وخطوط وأشكال؛ إنه مساحة مفتوحة للحوار بين المبدع والمتلقي، بين الفكرة المجردة والوعي الإنساني الباحث عن المعنى، فالفنان حين يشرع في بناء عمله التشكيلي، إنما ينسج رؤيته الخاصة للعالم، محمّلةً بتجاربه ومشاعره ووعيه الثقافي، غير أن هذه الرؤية لا تكتمل إلا حين تُقابَل بوعي آخر هو وعي المتلقي، الذي يملك بدوره حصيلة معرفية وجمالية تمكّنه من قراءة هذا العمل وتأويله.

إن الثقافة الفنية هي المفتاح الأول لفهم الفنون التشكيلية. فالمتلقي الذي يمتلك خلفية معرفية واسعة في تاريخ الفن، ومدارسه، وأساليبه، يكون أكثر قدرة على التذوق والنقد، وأقرب إلى استيعاب ما أراده الفنان من رموز وإشارات، فالتذوق هنا لا يعني الانبهار البصري فقط، بل يعني الدخول في عمق التجربة الإبداعية، وتحويل اللوحة من مجرد سطح ملوّن إلى نص بصري له دلالاته الفكرية والجمالية.

ومع ذلك، يظل التفاعل بين الفنان والمتلقي عملية نسبية لا تخضع لمعادلة واحدة؛ فكل متلقٍّ يقرأ العمل التشكيلي من زاوية خبراته الذاتية، ومن خلال ثقافته وقيمه ورصيده العاطفي، لذلك قد يفتح العمل الواحد أبوابًا متعددة للتأويل، فيتسع لقراءات متباينة، وربما متناقضة، وهذا في حد ذاته يثري قيمة الفن ويجعل التشكيل أفقًا مفتوحًا للتعددية والتأمل.

إن جوهر العلاقة بين الفنان والمتلقي يقوم على الجدل بين الإرسال والاستقبال: فالفنان يرسل شفراته عبر اللون والخط والكتلة، بينما يسعى المتلقي لفك هذه الشفرات بطريقته الخاصة، ومن هنا يصبح التشكيل فنًا حيًا متجددًا، لا ينتهي عند حدود اللوحة، بل يمتد في وعي المتلقي ويتحول إلى تجربة فكرية وجمالية جديدة.

في النهاية، يمكن القول إن التشكيل ليس مجرد انعكاس لرؤية الفنان وحده، ولا هو مجرد انعكاس لثقافة المتلقي وحدها، بل هو نقطة إلتقاء بين الطرفين، فحين يلتقي الخيال المبدع مع الوعي المتأمل، تتولد لحظة فنية فريدة يتجاوز فيها الفن حدود المادة إلى فضاء المعنى والجمال .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى