أخبار

الصحافة: مهنة الحقيقة وصوت المجتمع

رحلة الصحافة من الورق إلى الشاشة… مهنة تُنير الطريق بالحقيقة

زينب حسن طلبه

مقدمة

تُعدّ الصحافة من أنبل المهن التي وُجدت لخدمة الإنسان والمجتمع، فهي المرآة التي تعكس الواقع وتكشف الحقائق وتنقل نبض الحياة اليومية إلى الجمهور، تجمع الأخبار وتتحقق من صدقها وتنقلها للناس بموضوعية، لتصبح بذلك وسيلة توثيق وتنوير وتعبير لا غنى عنها في أي عصر أو مجتمع، إنها المهنة التي تمنح الحقيقة صوتها مهما كانت الظروف صعبة أو بيئات العمل محفوفة بالمخاطر.

البدايات الأولى للصحافة

تعود جذور الصحافة إلى العصور القديمة، حين كانت الشعوب تتبادل الأخبار مكتوبة على ألواح أو جلود، ويُعتبر “السجل اليومي للأخبار” الذي أصدره يوليوس قيصر في روما عام 59 قبل الميلاد، أول شكل معروف لما يشبه الصحف، إذ كان يُنشر فيه ما يدور في مجلس الشيوخ وأخبار الحروب والقرارات الرسمية.

وفي أوروبا، شهد القرن السابع عشر بداية ظهور الصحف المطبوعة الحديثة، حيث صدرت أول صحيفة دورية في ألمانيا في بدايات القرن، ثم تبعتها فرنسا وبريطانيا التي أصدرت صحيفة الديلي كورانت (The Daily Courant) عام (1702)، وهي أول صحيفة يومية باللغة الإنجليزية، ومن هناك، انتقلت الفكرة إلى أمريكا الشمالية عبر صحيفة بوسطن نيوز ليتر (Boston News-Letter) سنة (1704).

نشأة المصطلح في العالم العربي

 نشأة وتطور الصحافة العربية

بدأت الصحافة العربية عام 1816 حين أصدر داوود باشا في بغداد أول جريدة عربية باسم جورنال عراق باللغتين العربية والتركية، وسبقتها صحف فرنسية مع حملة نابليون على مصر (1798)، وفي مصر أصدر محمد علي باشا صحيفة الوقائع المصرية عام 1828، ثم ظهرت في سوريا صحف مثل سوريا (1867) والفرات (1865) والشهباء، وفي إسطنبول أصدر رزق الله حسون جريدة مرآة الأحوال العربية (1885)، ومع مطلع القرن العشرين ازدهرت الصحافة في مصر وسوريا فظهرت صحف المؤيد، اللواء، السياسة، البلاغ، الجهاد، المقتبس، ولا تزال الأهرام (1875) تصدر حتى اليوم.

الصحف الأولى في الدول العربية

أما الصحف الأولى في الدول العربية فكانت: في الجزائر المبشر (1847) بالفرنسية ثم كوكب أفريقيا (1907) أول عربية، وفي لبنان حديقة الأخبار (1858) تلتها نفير سوريا والبشير، وفي تونس الرائد التونسي (1860)، وسوريا شهدت أكثر من 300 صحيفة منذ سوريا (1865)، وليبيا طرابلس الغرب (1866)، والعراق الزوراء (1869) بعد جورنال عراق ثم الموصل والبصرة وبغداد، وفي كوردستان صدرت كوردستان (1898) وتصدر اليوم مئات الصحف منها التآخي وكوردستاني نوى، كما ظهرت في المغرب جريدة المغرب (1889)، وفلسطين النفير (1908)، والأردن الحق يعلو (1920)، والسعودية القبلة (1924) ثم أم القرى، واليمن الإيمان (1926)، والكويت جريدة الكويت (1928)، والبحرين جريدة البحرين (1936)، وقطر العرب (1972)، أما السودان فظهرت فيه الغازيته (1898) بالإنجليزية ثم صحيفة السودان (1903) بالعربية كأول صحيفة سودانية حقيقية.

حرية الصحافة ومعاييرها

تُعدّ حرية الصحافة من ركائز الديمقراطية، إذ تضمن حق الأفراد في التعبير والوصول إلى المعلومة، وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير”، وهو مبدأ تحميه القوانين في معظم الدول، ورغم ذلك، تختلف درجة الحرية من بلدٍ إلى آخر، فبعض الحكومات ما زالت تفرض قيودًا باسم الأمن القومي أو النظام العام، وتقوم منظمات دولية مثل مراسلون بلا حدود (Reporters Without Borders) وبيت الحرية (Freedom House) بقياس مؤشرات حرية الصحافة عالميًا وفق معايير تشمل سلامة الصحفيين، واستقلال المؤسسات الإعلامية وغياب الرقابة.

الصحافة كسلطة رابعة

تُعرف الصحافة بأنها “السلطة الرابعة” إلى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، نظرًا لدورها في مراقبة أداء الحكومات وكشف الفساد، وقد وصف المفكر البريطاني إدموند بيرك الصحافة بأنها «السلطة الأهم»، في إشارة إلى قوتها في التأثير على الرأي العام وصناعة الوعي المجتمعي.

ميثاق الشرف الصحفي

مثلما يلتزم الأطباء بقَسَم المهنة، يلتزم الصحفيون بميثاق شرف مهني يقوم على الصدق والدقة والحياد واحترام الحقيقة، وتتابع نقابات الصحفيين في كثير من الدول التزام العاملين بهذه المبادئ، وتُحاسب من يخالفها عند الضرورة، كما يحق لأي متضرر من نشر خبر كاذب أو تشهير رفع دعوى قضائية ضد الصحفي أو رئيس التحرير، لتبقى العدالة الضمانة الأخيرة للنزاهة الإعلامية.

خاتمة

تبقى الصحافة ذاكرة الشعوب ومرآة وعيها، فهي المهنة التي تنقل الحقيقة وتُنير الطريق أمام الرأي العام وتربط المواطن بما يحدث حوله، ومهما تغيّرت الوسائل من الورق إلى الشاشة إلى الفضاء الرقمي، تبقى الصحافة أكثر من مجرد مهنة… إنها رسالة ومسؤولية إنسانية تضع الحقيقة فوق كل اعتبار.

لقراءه المزيد من التفاصيل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى