الاجتماعيات

الزحمه اللي جوانا تحليل نفسي لمشكله التوتر والعصبية في المدن المزدحمة

الصامت حين يتحول الطريق إلى عدّاد عصبية

تقرير – أماني عبدالوهاب

مقدّمة

في قلب الزحام معركة الهدوء،في المدن التي تتدفّق فيها الحياة بسرعة، وتحت ضغط السير المكثّف، يصحو الإنسان كل صباح ليخوض معركة هادئة بحدّ ذاتها، معركة الحفاظ على النفس في وسط ازدحامٍ لا ينفكّ، من بين المركبات العالقة، وأصوات الأبواق التي تتداخل، والضجيج المستمر للمارة، تنشأ حالة نفسية دقيقة، توترٌ عامّ، وعصبيةٌ كامنة، ربما لا تُرى لكنها تُحسّ ، هذه ليست مجرّد زحمة مرور فحسب.

 تأخيرٌ يوميّ وتأزّم داخل

أحد أبرز مظاهر الزحام هو التأخّر المتكرّر، ساعات في السيارة، في الحافلة، في إشارات المرور هذا التأجيل المستمرّ يشكّل ضغطاً نفسياً يبدأ صباحاً ويلازم الفرد طوال اليوم. في مدينة مثل القاهرة، حيث تُعتبر حركة النقل من أبرز التحدّيات، يُشير خبراء إلى أن سكانها يعانون من اضطرابات في المزاج نتيجة ما يقضونه في التنقّ، وعندما تفشل الجداول الزمنية وتتأخّر المواعيد بسبب الازدحام، فإن الشعور بالعجز يبدأ بالتسلّل،لم أكن أنا المنظم ليومي، بل الزحام هو من قرّر، وهذا الشعور يُسهِم في تفاقم العصبية.

الصامت حين يتحول الطريق إلى عدّاد عصبية

http://قراءة المزيد

الزحام ليس فقط وقتاً مهدوراً أو تأخّراً مزعجاً، بل يتحوّل إلى ضغط نفسي صامت. في هذه البيئة، يتكوّن شعور بأن الإنسان مراقب أو محاصر في الفضاء ذاته، بلا مهرب من الأصوات، من التكدّس، من التوقّف المفاجئ، وهذا الشعور يعمّق الإحساس بعدم السيطرة، ما يرفع من مستوى التوتر.

منزلق الإنتاجية الزحام يُبتلع ساعاتنا الثمينة

http://قراءة المزيد

عندما نُجبر على قضائها في الزحام، تضيع ساعات كانت يمكن أن تُستغلّ في الإنجاز، في الراحة، في العائل،البقاء عالقاً في حركة المرور لفترات طويلة ينعكس بالسلب على الإنتاجية والرضا الذاتي، ويخلق إحساساً بأن الوقت ينفلت من بين الأيدي، وفي سياق نفس المشكلة، يُشير خبراء إلى أن عبء الوقت الضائع بسبب الازدحام يُضاف إلى عبء نفسي،أنا لم أحقّق ما أردته، لأن الزحام منعه.

البُعد الاجتماعي المتضرّ الزحام يشقّ العلاقات

http://قراءةالمزيد

الزحام لا يؤثر فقط على الفرد، بل على العلاقات بين الأفراد، حين يخرج الإنسان متوتّراً من التنقّل، فإنه يدخل المنزل أحياناً بمزاجٍ مضطرب، يتفاعل بشكل أقلّ إيجابية، وربّما يُقصر في الانتباه إلى من حوله، في البيئات الحضرية المكتظة، يُمكن أن تتحوّل اللقاءات إلى مجرّد مرور سريع، ما يُضعف الشعور بالانتماء.

المدينة كفخّ نفسي ضجيج حرّ وتلوّث بلا توقف

 

عند النظر إلى البيئة الحضرية المكتظة، كل عنصر تقريباً يُضيف إلى الضغط النفسي، الأبنية المرتفعة، الشوارع الضيقة، الضوضاء المستمرّة، تلوّث الهواء، الحرارة الزائدة، كلّ هذه العوامل تضيف إلى احتمال أن يتحوّل الزحام المروري إلى زحام نفسي، إذ لا فرصة للاختباء من الضوضاء، ولا للتنفّس بسلام.

حلولٌ ممكنة لكنّها تحتاج إرادة نفسية ومدنية

الجانب الإيجابي أن هناك حلولاً واقعية لتخفيف هذا الحمل النفسي، تحسين وسائل النقل العام، توزيع ساعات العمل لتجنّب الذروة، بناء مناطق خضراء مفتوحة للتنفّس، وتفعيل أنظمة ذكية لإدارة المرور، لكن هذه الحلول ليست فقط تقنية، بل تحتاج أيضاً إلى وعي نفسي لدى الأفراد، خذ وقتاً للهدوء، مارس التنفّس أو المشي، حاول تغيير مسار تفكيرك نحو ما يمكنك التحكم به وليس ما لا يمكنك.

نظرة أخيرة التوتر بين الطريق والمنزل

حين يغلق الإنسان باب سيارته أو ينهي رحلة الحافلة، لا تعود الضغوط تلقائياً إلى الصفر، كثيراً ما يدخل المنزل ومزاجه قد تغيّر، وربّما يبدأ يومه التالي بالفعل بحالة نفسية أقل من المثالية، الزحام إذن ليس مجرد حدث يوميّ، بل تراكُم نفسي يحتاج إلى معالجة مستمرة، وفي هذا السياق، لا يمكن النظر إلى الحل باعتباره مسؤولية المدينة وحدها، بل هي أيضاً مسؤولية الفرد في كيف يتعامل مع ظروفه، حدّد وقتاً للتنفّس، تجنّب الذروة إن أمكن، استخدم وسائل نقل بديلة، وخصص لحظة لنفسك.

خاتمة

يتبيّن لنا أن المشكلة ليست فقط في الازدحام المروري بمعناه الميكانيكي، بل في الازدحام النفسي الذي يتسلّل إلى داخلنا مع كل إشارة توقف، ومع كل زحمة صباحية، المدن التي تضيق بنا لا تفرّغ فقط الشوارع ، بل تُفرّغ الإنسان من هدوئه، من قدرته على التحكم في يومه، من لحظات صفائه. لكن الأمل موجود، في التخطيط الأفضل، في وسائل النقل الذكية، وفي وعي الفرد بأن يدافع عن وقته وراحته النفسية، إن لم تكن المدن تنتظرنا، فعلينا أن ننتظر أنفسنا، نمنح لأنفسنا مساحة للتنفس، وللمدينة فرصة لإعادة التنفّس، فليكن هدفنا أن نحيا في المدينة، لا أن نحاربها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى