هل تراجع دور الكتاب الورقي أم يعود بقوة رغم الثورة الرقمية؟
تقرير – زينب حسن طلبه
مقدمة
مع تسارع التطور التكنولوجي، أصبحت الشاشات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حتى امتد تأثيرها إلى مجال القراءة، ومع انتشار الكتب الإلكترونية وملفات الـPDF، برز سؤال يثير الجدل: هل انتهى زمن الكتاب الورقي وبدأ عصر الكتاب الإلكتروني؟، بين أنصار التكنولوجيا وعشّاق الورق، يستمر الجدل حول أيهما أعمق أثرًا في الذاكرة وأقرب إلى القلب.
أثر التكنولوجيا على القراءة
أحدثت الثورة المعلوماتية تحوّلًا جذريًا في مفهوم الكتاب، فلم يعد حبرًا على ورق، بل صار ملفًا يُقرأ عبر الأجهزة الذكية، هذا التطور أتاح سهولة الوصول إلى المعرفة وتوفير المساحة والوقت، لكنه في المقابل كما يرى كثيرون أفقد الكتاب دفء الورق وسحر الصفحات المطبوعة، تلك التي تمنح القارئ تواصلًا حقيقيًا مع النص، بعيدًا عن الشاشات الباردة.

بين الورق والشاشة.. مقارنة لا تنتهي
الكتاب الإلكتروني يمتاز بخفة حجمه وإمكانية تكبير الخطوط وتخزين آلاف العناوين في جهاز واحد، لكن الكتاب الورقي يظل حاضرًا بتفاعله الإنساني، إذ يمنح القارئ تجربة حسية متكاملة، لا تحتاج إلى بطارية ولا إنترنت، ويتيح ارتباطًا مباشرًا بين العين والصفحة، يُسهم في تعزيز الفهم والتركيز، فمقارنة بسيطة تكشف أن مزايا الورقي هي سلبيات الإلكتروني والعكس صحيح، مما يجعل المفاضلة بينهما مسألة ذوق وتجربة شخصية.
تُشير الدراسات النفسية إلى أن القراءة من الورق تجعلنا نسترجع المعلومات بشكل أسرع بفضل ما يُعرف بـ”الذاكرة المكانية”، وهي قدرة الدماغ على تذكّر مكان الكلمات في الصفحة، سواء في الجهة اليمنى أو اليسرى، كما أن القراءة من الهاتف أو الجهاز اللوحي تُشتّت التركيز بسبب الإشعارات المستمرة، بينما يمنح الكتاب الورقي حالة من العزلة الذهنية المريحة، بل إن رائحة الورق كما أثبتت أبحاث علمية تُحفّز مناطق الذاكرة في الدماغ، ما يجعل القراءة الورقية تجربة حسية ومعرفية متكاملة.

القراءة علاج للعقل والنفس
تؤكد الدراسات الحديثة أن القراءة ليست نشاطًا ثقافيًا فحسب، بل هي أيضًا تمرين عقلي وعلاج نفسي، إذ تساهم في تنشيط الخلايا العصبية وتحفيز الدماغ على إنتاج خلايا جديدة، كما تُستخدم القراءة ضمن برامج التنمية المعرفية للأطفال، حيث تساعد على تحسين مهارات التركيز والانتباه، وتُعد وسيلة فعالة لتعزيز القدرات الذهنية على المدى الطويل.
هل انتهى عصر الورق؟
رغم هيمنة التكنولوجيا وانتشار الأجهزة الذكية، فإن الكتاب الورقي لم يختفِ بعد، بل ما زال يحتفظ بمكانته في قلوب القرّاء، لقد أصبح الواقع الثقافي اليوم يقوم على تكاملٍ لا صراع بين الورقي والإلكتروني، حيث يجتمع الحنين القديم مع الراحة الحديثة في سبيل هدف واحد: بقاء القراءة حيّة ومتجددة.

خاتمة
قد تغيّر شكل الكتاب، لكن جوهره لم يتبدل، فالقراءة ستبقى وسيلة الإنسان للمعرفة والتأمل، سواء كانت عبر الورق أو الشاشة، ومهما تقدّمت التكنولوجيا، سيظل هناك دائمًا من يفضّل أن يسمع خشخشة الورق على صوت تمرير الشاشة.




