الطابور الأخير.. مأساة المرضى أمام أبواب المستشفيات الحكومية
تقرير – أماني عبد الوهاب
مقدمة
لم يعد مشهد الطوابير الطويلة أمام المستشفيات الحكومية مجرد صورة عابرة، بل أصبح رمزًا للألم والصبر والانتظار الذي يعيشه ملايين المرضى يوميًا في مصر، حيث يُفترض أن يجد المواطن علاجه وكرامته، تتحول بوابات المستشفيات إلى ساحات مكتظة بالأجساد المرهقة، وأرواح تبحث عن فرصة للعلاج، وطاقم طبي يكافح بأدوات لا تكفي وموارد لا تصمد.
تعاني المستشفيات الحكومية في عدد كبير من المحافظات من بنية تحتية قديمة، لم تعد قادرة على استيعاب آلاف المرضى الذين يترددون عليها يوميًا، الجدران التي فقدت لونها، الأجهزة التي توقفت عن العمل، ونقص الأسرة في أقسام الطوارئ، كل هذه التفاصيل تكشف حجم الفجوة بين احتياجات المواطنين وما هو متوفر فعليًا داخل هذه المستشفيات.

طوابير التي لا تنتهي
منذ ساعات الصباح الأولى، يحتشد المرضى في طوابير يفوق طولها قدرة أي مستشفى على التعامل معها، البعض يبيت ليلته أمام البوابة أملاً في دور مبكر، وآخرون يفقدون وعيهم من شدة الزحام والإرهاق ومع محدودية عدد الأطباء وأقسام الطوارئ، يصبح الانتظار جزءًا من رحلة العلاج، وقد تكون أخطر مراحلها.
تزامن تدهور الخدمات الصحية مع موجات غلاء أثقلت كاهل المرضى، فأصبح المواطن يواجه معركتين،تكلفة العلاج وعبء المعيشة، كثيرون لم يعودوا قادرين على دفع تكاليف المواصلات أو شراء الدواء الذي يتكرر انقطاعه، بينما يضطر آخرون للجوء إلى المستشفيات الخاصة رغم ضيق الحال هربًا من قوائم انتظار المستشفيات الحكومية.

الخصخصة والانتظار المواطن يدفع الثمن
مع دخول القطاع الخاص في إدارة بعض المستشفيات الحكومية، باتت خدمات كانت شبه مجانية تُقدّم الآن بأسعار مختلفة، وأصبح المريض الفقير في مواجهة حقيقية مع سياسات لا تراعي ظروفه، امتزجت الإجراءات الإدارية بالتزاحم على الخدمة، فازدادت الطوابير، وازدادت معها الشكاوى من غياب العدالة الطبية.
تشير شهادات عدة إلى وقائع إهمال تتكرر داخل بعض المستشفيات، تأخر في استقبال الحالات الحرجة، نقص في طاقم التمريض، وأخطاء طبية نتيجة ضغط العمل وقلة الإمكانات، وتعلن الجهات الصحية باستمرار عن حملات لمتابعة المخالفات، لكن نتائج تلك الحملات نادرًا ما يشعر بها المرضى الذين يقفون لساعات بحثًا عن سرير أو طبيب.

هجرة الأطباء نزيف لا يتوقف
يعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الأطباء نتيجة الهجرة والضغط والظروف المهنية الصعبة، ومع قلة الكوادر المتاحة، يصبح الطبيب الواحد مسؤولًا عن عشرات المرضى في النوبة الواحدة، وهو ما يجعل الخدمة الصحية أقل جودة ويزيد من الضغط على النظام كاملًا.
ورغم كل الأزمات، تظهر بين الحين والآخر مبادرات حكومية لتطوير المستشفيات، وزيادة عدد أسرة الرعاية، وتحسين بعض الأقسام الحيوية، كما تشهد بعض المستشفيات الجامعية نموًا ملحوظًا في قدرتها على استقبال المرضى، لكن هذه الجهود تظل غير كافية أمام حجم الطلب المتزايد، وتبقى الحاجة ملحّة لإصلاح شامل يضع المريض في مقدمة الأولويات.

خاتمة
مأساة الطابور الأخير ليست أزمة عابرة، بل صراع يومي يخوضه المواطن البسيط مع المرض والفقر والانتظار، وبين مبانٍ متهالكة وجهود لا تزال ضعيفة، تظل المستشفيات الحكومية بحاجة إلى ثورة إصلاح حقيقية تعيد للناس حقهم في العلاج، وكرامتهم داخل المؤسسات الصحية، فالصحة ليست رفاهية، والطوابير الطويلة ليست قدرًا، بل نتيجة نظام يحتاج إلى إنقاذ عاجل.




