أخبار

أحمد فوزى يكتب «من أين لك هذا؟»

صرخة مجتمع في وجه المال الحرام

بقلم: أحمد فوزي

في وقتٍ يئن فيه المواطن البسيط تحت وطأة الغلاء، ويكافح الشريف من أجل لقمة عيش كريمة، يطفو على السطح مشهد بالغ الاستفزاز: ثراءٌ فاحش يظهر فجأة على أشخاص لم يُعرف لهم عمل أو إنتاج أو تاريخ مهني واضح. سيارات فارهة، عقارات بالملايين، مظاهر بذخ صارخة، بينما يظل السؤال الغائب الحاضر هو: من أين لك هذا؟.

هذا السؤال ليس بدافع الحسد أو التشكيك، بل هو حق أصيل للمجتمع وواجب لحماية المال العام والأمن القومي، فالأموال التي تأتي بلا جهد معلوم، غالبًا ما تكون ملوثة بدموع الضحايا وأنين المجتمع، لأنها ناتجة عن جرائم خطيرة مثل تجارة المخدرات، والسلاح غير المشروع، والاتجار في الآثار، وغسل الأموال.

المخدرات.. تدمير ممنهج للشباب

ليست تجارة المخدرات مجرد وسيلة للثراء السريع، بل هي حرب خفية على عقول الشباب وأجسادهم، تجار السموم لا يرون في الوطن إلا سوقًا، ولا في الشباب إلا سلعة تُستنزف حتى الموت، أموالهم التي تتكدس في الخزائن هي في حقيقتها أعمار ضائعة وأسر مدمرة ومستقبل يُسرق أمام أعيننا.

السلام غير مرخص.. تهديد مباشر للأمن

أما تجارة السلاح، فهي الوجه الآخر للفوضى، سلاح ينتقل من يد مجرم إلى آخر، يزرع الخوف في الشوارع ويحوّل الخلافات البسيطة إلى جرائم قتل، كل قطعة سلاح غير شرعي هي قنبلة موقوتة، وكل جنيه يُجنى من هذه التجارة هو مشاركة في تهديد استقرار الوطن.

نهب الآثار.. سرقة التاريخ والهوية

ولا يقل خطر الاتجار في الآثار عن سابقَيه، فهو جريمة في حق الأجيال القادمة، الآثار ليست حجارة صامتة، بل تاريخ أمة وهوية شعب، تهريب قطعة أثرية واحدة يعني اقتلاع صفحة من كتاب مصر الخالد وبيعها في مزادات الخارج مقابل حفنة دولارات ملوثة بالخيانة.

غسل الأموال.. الوجه الناعم للجريمة

الأخطر من الجريمة نفسها هو غسل الأموال، حين تتحول أرباح الحرام إلى مشروعات تبدو في ظاهرها قانونية، مطاعم، شركات، معارض سيارات، عقارات، واجهة براقة تخفي خلفها أنشطة إجرامية، هنا يصبح المال الحرام منافسًا غير عادل للشريف، ويُقتل مبدأ تكافؤ الفرص.

دور الدولة.. معركة مستمرة

لا يمكن إنكار الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة وأجهزتها الرقابية والأمنية في ملاحقة هذه الشبكات الإجرامية، لكن المعركة طويلة ومعقدة، وتحتاج إلى تحديث مستمر للتشريعات وتغليظ العقوبات، خاصة في جرائم الكسب غير المشروع والاتجار في المال العام.

المجتمع شريك في المواجهة

المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها، المجتمع شريك أصيل في المواجهة، بدءًا من رفض التعامل مع أصحاب الثراء المشبوه، مرورًا بعدم تلميعهم اجتماعيًا أو اعتبارهم قدوة، وصولًا إلى الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة، فالصمت هنا ليس حيادًا، بل تواطؤ غير مباشر.

الإعلام.. سلاح الوعي

يلعب الإعلام دورًا محوريًا في كشف الحقائق، وطرح الأسئلة الصعبة، وفي مقدمتها: من أين لك هذا؟ إعلام يفضح ولا يجامل، يوعي ولا يبرر، وينحاز للمجتمع لا للمال.

رسالة أخيرة

إن المال الحرام مهما طال به الزمن، مصيره الزوال، وتبقى اللعنة تطارد صاحبه. أما المال الحلال، وإن كان قليلاً، فهو بركة وأمان.

وسيظل سؤال «من أين لك هذا؟» هو حجر الأساس في بناء دولة عادلة، تحمي أموالها العامة، وتصون أمنها، وتحفظ كرامة مواطنيها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى