رب الأسرة.. حكاية “البطل الصامت” في بيوتنا
قراءة إنسانية في كفاح الأب المصري ومسؤوليته اليومية

بقلم: أحمد فوزي
في قلب كل بيت مصري، تُنسج حكاية كفاح بطلُها شخص قد لا تتصدر صورته العناوين، لكن بصمته حاضرة في أدق تفاصيل الحياة. هو “رب الأسرة”؛ ذلك الرجل الذي يحمل على عاتقه أمانة بيتٍ كامل، ويمضي إلى دربه كل صباح مهما بلغت وطأة التعب، ومهما أثقلت السنون كاهله بالهموم والمسؤوليات.
جنديٌّ بلا استراحة
لا يعرف رب الأسرة رفاهية التوقف أو “حق الاعتزال”. المرض في قاموسه موعدٌ مؤجل، والتعب كلمة تسقط من حساباته قسراً؛ فخلفه صغارٌ يترقبون لقمة العيش، ومملكةٌ صغيرة تنشد الأمان قبل أي شيء. قد يستيقظ وفي جسده ألم، لكنه ينهض مدفوعاً بالواجب، وقد يعود في المساء منهك القوى، لكنه يستعيد روحه حين يطمئن أن أحبابه لم ينقصهم شيء.
الصمتُ لغة العطاء
في صمتٍ مهيب، يؤدي دوره دون ضجيج أو شكوى. لا يلهث خلف تكريم، ولا ينتظر تصفيقاً من أحد؛ فجائزته الكبرى هي رؤية أبنائه بخير، ويقينه بأن سقف بيته ما زال صامداً. يتحمل من ضغوط الحياة ما لا تطيقه الجبال، وفي كل مفترق طرق، يختار الصبر سلاحاً بدل الاستسلام، والاستمرار غايةً بدل التراجع.
ما وراء الكفاح.. إنسان
إن رب الأسرة ليس “آلة” للعمل أو مجرد مصدر للتمويل، بل هو إنسان من لحم ودم، يشعر ويتألم ويخاف. لكنه يبرع في إخفاء أوجاعه حين يتعلق الأمر بمن يحب. قد لا يبوح بمخاوفه من تقلبات الزمن، لكن محركه الداخلي يدفعه لمواصلة الطريق مهما كان وعراً، إيماناً منه بأن دور السند لا يسقط بالتقادم.
التقدير.. حجر زاوية الاستقرار
هذه الملحمة اليومية لا نرويها استدراراً للشفقة، بل وقوفاً عند محطة التقدير المستحق، فالمجتمع الذي يكرم رب الأسرة، ويحفظ كرامته، ويُثمن جهده، هو مجتمع يحمي جذوره من التآكل. والبيت الذي يشعر فيه الأب بالامتنان والتقدير، يصبح حصناً أكثر تماسكاً ومودة.
خاتمة..
تحية إجلال لكل رب أسرة لا يعرف معنى الإجازة، لكل من يكدح وهو متعب، ويبتسم وهو منهك، ويخوض معارك الحياة اليومية بشرف دون أن يطلب شيئاً، سوى أن يظل بيته بخير. هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين يكتبون تاريخنا الصامت بعرق الجبين.. أبطال الحياة اليومية.

