دعني أخبرك أيها المترنح في متاهة الظن بغير علم ، أو يا من تدعي أنك تعلم على قدرك أن التفلسف وإعمال العقل وإرساء القيم ورسم المسار الفكري وإنارة العقول لتتعقل ، أو لترسم مسارها في حياة أو أحداث لا ينفع معها مادة أو براهين محدودة ، كلها أمور لن تستقيم إلا بأصول هي التي ترسم ايجابيات كل ما سبق وتهدي الانسان الى ما يحقق انسانيته وتمنحه القدرة على أن يعبر عن ذاته القادرة وذاته المبدعة ، ومن ثم ذاته العليا في تفاعلها مع كل معالم الحياة وتعقيداتها التي قد تعصف بالوجود وتسلم هذا الانسان لضياع أو تشتت في غير يقين من تقوى أو تخلق أو قوامة في الفهم والتصور !
إن هذا العلم الذي نطلق عليه (أصول التربية) ، هو السياج والمحرك والضابط لكل أمور التربية وتشكيل الانسان ، تلك التربية التي لن تنفع بمعلومات أو معارف أو مهارات أو كفايات ، لا يحركها وعي انساني وتخلق وإعمال عقل وتجرد وتفكير يخرج عن حدود النمطية ليدرك الانسان أنه قد خلق ليبدع وليحقق تكاملية في وجوده ومسلكه في علاقته بمن أوجده والأشياء كلها ، فتتضح صورته التفاعلية وتبرز الايجابية المطلقة في فهمه وتبصره وادراكه ، لأنه حينها لن يكون كيانا تمت صناعته ماديا أو معرفيا أو تكنولوجيا فقط ، بل سيكون انسانا قيوما على حركة الوجود كلها …!
فأصول التربية ترسم مسارات التربية وتضئ المسلك وتحدد المقبول وغير المقبول من الممارسات وتساعدنا على النقد والتبرير والاختيار، وهي كذلك تضمن لنا تكيفا ايجابيا مع الأشياء لنتعرف عليها في تلاحم مع الانسانية، ليصنع ذلك الانسان الذي خلقه ربه ليتفاعل ويعبر عن ممكنات طبيعته في حركة الوجود …
إن أصول التربية هي التي تمنحنا القدرة على التخطيط للمستقبل وإدارة المؤسسات ورسم السياسات وتحديد الرؤى المستقبلية وتحديد الاجراءات ووضع الخطط وتبرير الاختيار وصنع واتخاذ القرارات، وهي التي تمكننا من التكوين الأخلاقي وإرساء القيم ودعم الوجود والتماسك المجتمعي وبناء العلاقات الانسانية والشعور بالأوطان واللحمة الجمعية والاستعداد للدفاع عن الوطن من الاختراقات أو الاستهداف أو التدمير …
إن أصول التربية هي النور الذي به يرى التربويون ويعقلون ويحددون المسارات ويمنحون غيرهم الفرصة ليتفهموهم ويدركون أصالة موقفهم ونبل تصرفاتهم من غيرها، فهي الترياق الذي به نعالج المشكلات المجتمعية وتؤسس الرؤى المستقبلية للتجويد ولفهم أنظمة التعليم الأخرى والاستفادة منها في تغيير وتطوير المجتمع للارتقاء والتنافسية، إن أصول التربية هي المناط الذي يعلمنا أن الفكر دالة الانسان وأن القيم هي أصل السلوك وأن الأخلاق هي معيار التجويد والنجاح في كل مسارات الحياة …!
إن أصول التربية تساعدنا في تربية الأبناء بشكل سليم وفي اختيار أنماط الضبط والممارسات التي تصلح للمجتمع، وهي التي ترشدنا لنظريات معها يمكن أن نصنع المستقبل، ونحقق الرؤى بشكل تنافسي واحترافي وعالمي …
لكل وبكل ما سبق ندرك أن لأصول التربية والتربويين المتخصصين فيها ، أهمية لا يمكن أن يستوعبها مقال أو تحيطها المعاني البسيطة ، فمن الضروري أن نحافظ وبحرص شديد على أصول التربية ، ولن ينجح هذا إلا بتعظيم هذا المكون وهذا الركن الركين في إعداد المعلم الذي ينبغي أن يعي ويدرك ويتفهم ويسلك ويبدع في ممارساته المؤسسة على سلامة الاختيار ومراعاة المقومات الضرورية لهذا الاقتدار بهذا العلم الذي يمكن من إدارة بيئة التعليم والتعلم ، وحل المشكلات والشراكة والدعم في كل جوانب الممارسة التعليمية والتربوية ، بحيث لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عن أهميته أو تجنب التركيز عليه في قضية إعداد المعلم وتمكينه على كل المسارات المهنية والشخصية والثقافية والأخلاقية والمجتمعية والابداعية ….