أخبار
أخر الأخبار

كسوة الكعبة المشرقة

 

بقلم أ/جيهان عبد العزيز

من أهم مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل للبيت الحرام. وتاريخ كسوة الكعبة جزء من تاريخ الكعبة نفسها، فعندما رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد الكعبة المشرفة عاد إبراهيم إلى فلسطين. وذكر أيضاً أن (عدنان بن إد) الجد الأعلى للرسول هو واحد ممن كسوها، ولكن الغالب في الروايات أن (تبع الحميري) ملك اليمن هو أول من كساها كاملة قبل الإسلام بعد أن زار مكة ودخلها دخول الطائفين، وهو أول من صنع للكعبة باباً ومفتاحاً. واستمر في كسوة الكعبة فكساها بالخصف، وهي ثياب غلاظ، ثم كساها المعافى ثم كساها الملاء والوصائل، وكساها خلفاؤه من بعده بالجلد والقباطي. وبعد (تبع الحميري) كساها الكثيرون في الجاهلية، وكانوا يعتبرون ذلك واجباً من الواجبات الدينية. وكانت الكسوة توضع على الكعبة بعضها فوق بعض، فإذا ما ثقلت أو بليت أزيلت عنها وقسمت أو دفنت، حتى آلت الأمور إلى (قصي بن كلاب) الجد الرابع للرسول، والذي قام بتنظيمها بعد أن جمع قبائل قومه تحت لواء واحد وعرض على القبائل أن يتعاونوا فيما بينهم كل حسب قدرته في كسوة الكعبة، وفي غيرها مثل السقاية. وكانت الكسوة ثمرة الرفادة، وهي المعاونة تشترك فيها القبائل، حتى ظهر أبو ربيعة عبد الله بن عمرو المخزومي، وكان تاجراً ذا مال كثير وثراءٍ واسعٍ، فأشار على قريش أن: اكسوا الكعبة، أنا أكسوها سنة، وجميع قريش تكسوها سنة، فوافقت قريش على ذلك، وظل كذلك حتى مات. وأسمته قريش العدل، لأنه عدل بفعله قريشاً كلها.

 

ورواية ابن أبي مليكة هذه تدل على أن قريشًا كانت تكسو الكعبة، وتوارثت هذا العمل حتى بُعث النبي والكعبة مَكْسُوَّةٌ. والظاهر أن الأمر بقي في صدر الإسلام كما كان في الجاهلية، إذ بقيت كسوة المشركين على الكعبة المشرفة حتى فَتْح مكة. فعن سعيد بن المسيب قال: ولما كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الكعبة فاحترقت ثيابها، وكانت كسوة المشركين، فكساها المسلمون بعد ذلك. ومنذ عام الفتح حتى يومنا هذا والمسلمون يتفردون بكسوة الكعبة.

 

وممن انفردن بكسوة الكعبة المشرفة امرأة تسمى نُتيلة بنت جناب، زوج عبد المطلب وأم العباس، فحين ضاع ابنها العباس نذرت لله أن تكسو الكعبة وحدها إذا عاد إليها ابنها الضائع، فعاد فكانت أول امرأة في التاريخ كست الكعبة وحدها.

 

عهد الرسول والخلفاء

الحكمة من كسوة الكعبة أنها تعتبر من الشعائر الإسلامية ، وهي اتباع لما قام به النبي محمد صل الله عليه وسلم والصحابة من بعده، فقد ثبت أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين.

 

وذلك أنه عند فتح مكة، أبقى النبي كسوة الكعبة القديمة التي كُسيت بها قبل الفتح ولم يستبدلها، حتى احترقت الكسوة على يد امرأة تريد تبخيرها فكساها النبي محمد بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده، أبو بكر وعمر بالقباطي والبرود اليمانية، ثم كساها عثمان بن عفان بكسوتين أحدهما فوق الأخرى فكان هذا العمل الأول من نوعه في الإسلام، أما عن علي فلم ترد روايات أو اشارات مؤرخين أنه كسا الكعبة، نظرا لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده، ثم واصل من بعدهم ملوك الإسلام والسلاطين في شتى العصور يتعهدون الكعبة بكسائها.

 

و في الإسلام فإن كسوة الكعبة «مشروعة» أو «مستحبة» على الأقل، لأن ذلك من تعظيم بيت الله الحرام، حيث ورد في القرآن: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ، وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»، وكانت الكعبة معظمة في شرائع الأنبياء السابقين، وجاء الإسلام والكعبة تُكسى، واستمر الأمر على ذلك إلى يوم الناس هذا.

 

وأما رفع كساء الكعبة المبطن بالقماش الأبيض في موسم الحج، إنما يُفعل لحمايتها من قطعها بآلات حادة للحصول على قطع صغيرة طلبا للبركة أو الذكرى أو نحو ذلك. وليس أنها إحراماً للكعبة فإن الكعبة جماد لا تُحرِم ولا تؤدي نسكاً، وإنما يكسوها المسلمون اتباعً النبي محمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى