مقالات
فاست فود
بقلم: جهاد نوار
لكل زمان فرسانه، مهما تعددت الازمنة، و اختلفت المسميات، تظل البساطة، القناعة هى عنوان النجاح،و يتبقى جمال الأصالة، التى لايعادلها أى مستحدث، مذاقها سواء فى المعيشة، أو المعاملات، و الأشخاص، أو حتى الطعام.
لذلك دوما ما نجد أنفسنا نقارن بين اليوم، و الأمس، فى كل ما يحيط بنا، و دائما نحن فى حنين لجماله، الذى كان
و ما كنا نقدره حق قدره.
تلك هى سمة الحياة، و أهلها، ألا يشعرون بجمال إلا بعد ما يفقدونه، فهذا ينعى زمانه، و أيام الطفولة، و حريته التى افتقدها مع زحام الحياة.
و الغوص فى التشبث بعمل، و مسؤليات، و آخر يتحسر على الريف المطوى، عبر صفحات العولمة، بكل ما فيه من جمال الطبيعة، و نشاط الفلاح، و زوجته، و الانتاج الوفير، من كل ما لذ، و طاب، بعد ما افتقد راحة البال،و لذة العيش المليئ بالهدوء، و حل محل كل ذلك جيل جديد، معه كثر التلوث، و زادت الضوضاء، و انتشرت مسببات الخروج من العالم البسيط، للعولمة المعقدة.
باختراعات أمدت العالم بالمساوئ، أكثر من المميزات.
تغيرت العادات، و التقاليد، و حتى الإنسان، صار الإيقاع
أسرع عن ذى قبل، تغيرت ملامح الإنسانية، و ملحقاتها.
حتى أصبح الناس بلا هوية.
ظهر الفاست فود الذى قضى على جلستنا حول مائدة واحدة يرى كل منا نفسه، فى عيون الآخر، و اندثر الأمن
و الطمأنينة، و حل محلهما الشقاق، و الضغينة.
حتى أن البعض صاروا كتلك الوجبات، فاست فود سريع
التحضير، لكن بلا أثر، صداقات تنعقد فى ساعة، و تنتهى
فى دقائق، طموحات تسرق بلا أى خجل، عدم الشعور بالمسؤولية تجاه الغير، مما أوجد التنصل من واجب نحو
الآخر، و بالتالى مات الانتماء، و العطاء، بداخل الكثير من الناس، و مات الفارس،الذى كان يقود بجدارة، و منه نتعلم
المروءة، و الشجاعة، و ليس الخنوع، و الاستسلام.
صدروا لنا كل ما يفت فى عضدنا، و يهلك أمتنا، و رعاتها
و باتت الحياة بلا معنى، سوى صراعات الغابة، التى أهلكت
ساكنيها، و اقتربنا من عصور الجهل، و الانتكاسة.
لكن يا تُرى بعد ملايين السنين،هل سنظهر لمن بعدنا كأننا كنا ديناصورات عصرنا، ينظرون لنا بتعجب، شكلا، و تشكيلا، و فكرا،و ثناء، أم سينكرون ما كنا فيه، من علم، و تمدن، و التحاق بعولمة زماننا، التى لا أظنها، ستكون مسار دهشة
و اعجاز؟! فلا تحيا الأمم بعوار فى أركانها، بل تبقى بأصالة مجدها، و قوة عهدها،و ثراء حضارتها.
جاردى