كشف لغز سرقة “أسورة” أثرية من داخل المتحف المصري
من المتحف إلى مسبك الذهب: سرقة وصهر "أسورة" ملكية أثرية

تقرير – آلاء هشام
مقدمة:
تعرضت أسورة ذهبية ملكية للسرقة، من داخل المتحف المصري، وكشفت التحقيقات عن تورط أخصائية ترميم وثلاثة أشخاص آخرين، في واحدة من أخطر حوادث التعدي على التراث المصري.
تفاصيل واقعة سرقة الأسورة الذهبية الملكية
تعود بداية أحداث الواقعة إلى يوم 13 سبتمبر الحالي، حيث تلقت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية بلاغًا من وكيل المتحف المصري وأخصائي ترميم، يفيد باكتشافهما أن أسورة ذهبية “ترجع للعصر المتأخر” قد اختفت.
وبإجراء التحريات تبين أن أخصائية ترميم ارتكبت الواقعة، والتي استطاعت سرقة الأسورة بإسلوب المغافلة، خلال تواجدها في عملها بالمتحف، يوم 9 سبتمبر الحالي، ثم تواصلت مع أحد معارفها “صاحب محل فضيات”، وباعها إلى مالك ورشة ذهب في الصاغة، بمبلغ 180 ألف جنيهًا، وقام مالك الورشة ببيعها إلى عامل في مسبك ذهب، بمقابل 194 ألف جنيهًا، ثم صهرها مع مصوغات أخرى، بهدف إعادة تشكيلها.
القبض على المتهمين
بتقنين الإجراءات تم ضبط المتهمين، وبمواجهتهم أقروا بارتكابهم للواقعة، وتم ضبط المبالغ المالية المحصلة من بيع الأسورة بحوزتهم، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، وتحرر المحضر اللازم بالواقعة وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
اعترافات أخصائية الترميم “المتهمة الأولى”
أفادت أخصائية الترميم، المتهمة الأولى، خلال التحقيقات قائلة: “كانت هناك لجنة مكلّفة باستخراج قطع أثرية من الخزنة لتصويرها وختمها قبل إرسالها إلى معرض في روما، ولاحظت وجود سوار يخلو من أي نقوش، فاستغللت انشغال زملائي وأخفيته في حقيبتي”.
وتابعت المتهمة الأولى اعترافها قائلة: “أنا مريضة بداء السكري، ومثقلة بالديون، ولم أكن قادرة على سدادها، فقررت بيع السوار، ذهبت إلى جار قديم لي يملك محلًا لبيع الفضة في منطقة السيدة زينب، وبعنا السوار، ليتبين لاحقًا أنه مصنوع من الذهب، وقد منحني مقابل ذلك مبلغ 180 ألف جنيه”، وأضافت أنها تعمل منذ سنوات في معمل الترميم بالمتحف المصري، وأن الظروف المعيشية الصعبة دفعتها لارتكاب هذه الجريمة.
أقوال صاحب محل الفضيات “المتهم الثاني” في القضية
أفاد صاحب محل الفضيات “المتهم الثاني” أمام جهات التحقيق، بأنه قام بالتعامل بحسن نية، وأنه لم يعلم أن تلك الأسورة أثرية أو مسروقة، لافتًا إلى أنه يعرف أخصائية الترميم بصفتها جارته بالمنطقة، وحين طلبت منه المساعدة في بيعها، تدخل كوسيط بحسن نية.
وقال أثناء التحقيق أن دوره كان وسيط، بين أخصائية الترميم ومالك ورشة ذهب بمنطقة الصاغة، موضحًا عمله هناك كـ “كمسيونجي”، بمعنى الوساطة في بيع الذهب، مقابل عمولة، كما أوضح أن المتهمة الأولى كسرت الفص الموجود بها، بواسطة “زرادية”، وقامت بأخذ التكسير، واتلفته وقامت بالإحتفاظ به، لكي لا يكتشف أحد أن تلك القطعة أثرية.
وبمواجهة صاحب محل الفضيات “المتهم الثاني” بملابسات البيع، أكد أن التعامل داخل الصاغة يتم من تاجر لآخر، دون استخدام فواتير، لأنها عادة معروفة بينهم، مشيرًا إلى استخدام الفواتير، خلال التعامل مع الزبائن فقط.
وأضاف المتهم الثاني في القضية أن الأسورة الذهبية لم تكن مدموغة، بجانب أن المختصين هناك، هم من يقوموا بعملية “التشين”، لتحديد درجة النقاء والعيار في شهادة رسمية، واتضح أن الأسورة تزن 37 جرامًا وربع.
أقوال مالك ورشة الذهب “المتهم الثالث”
وأقر مالك ورشة ذهب في الصاغة “المتهم الثالث”، أنه تم عرض شراء الأسورة عليه، التي لم تكن مدموغة حينها، من أحد معارفة في منطقة السيدة زينب، مشيرًا إلى أنه قام بتحديد سعرها بـ177 ألف جنيهًا، لأنها تزن 37 جرام وربع، وكان سعر الجرام 4800 جنيهًا.
وأضاف المتهم الثالث أنه عقب ذلك ذهب إلى محل مختصين بدمغ الذهب، وخدش القائمون هناك الأسورة، ثم وضعوها على جهاز لتحديد درجة نقاء الذهب، واتضح أن الأسورة عيار 23، كما تم دمغها بشكل رسمي، وأخذ شهادة بذلك، بمقابل 30 جنيه.
وأوضح المتهم الثالث أن المختص بالدمغ يقوم بالاستفادة من الأجزاء التي تم خدشها، فيجمعها إلى أن تزن نصف كيلو، ثم يقوم بصهرها عقب ذلك، وواصل المتهم حديثه قائلًا أنه ذهب إلى محل شراء الذهب الكسر، بعد ما أخذ شهادة الدمغ، وقام مالك المحل بوزن الذهب وشراؤه بمقابل 194 ألف جنيهًا، وسلم الأسورة المشار إليها إلى العامل المختص بالمعاينة في المحل “االمتهم الرابع”.
وقال أنه عقب حصوله على المبلغ، حول مبلغ 3000 جنيهًا إلى المتهم الثاني، بواسطة تطبيق، كمجاملة، وأوضح عدم علمه في وقتها أن الأسورة الذهبية أثرية، مؤكدًا عدم وجود أي علاقة بينه وبين أخصائية الترميم.
أقوال مالك محل شراء الذهب الكسر “المتهم الرابع”
وقال مالك محل شراء الذهب الكسر “المتهم الرابع” أنه أخذ الأسورة لفحصها والتيقن أنها لا تحتوي على شوائب، حيث قام بقص جزء منها، ليتأكد أنها ليست تحتوي على نحاس، وسلط عليها النار، ليتيقن أنها نقية، وعقب ذلك وضعها في إناء تجميع الذهب المكسور.
وأوضح المتهم الرابع أنه عقب ثلاثة أيام، تم تجميع كمية من الذهب، وذهبوا إلى محل مختص في عملية صهر الذهب، وتمت عملية صهر القطع، وبينهم الأسورة الذهبية الأثرية، وشكلت على هيئة سبيكة مع مجموعة من الذهب، بمقابل دفعه أجر، وبيعت السبائك عقب ذلك إلى التجار، ليعيدوا تصنيعها، وأكد المتهم على عدم معرفته أنها أسورة أثرية، مضيفًا عدم وجود أي علاقة بينه وبين المتهمة الأولى إطلاقًا.
خاتمة:
تكشف هذه الجريمة عن مدى الخطر الكامن، حين تتسلل الخيانة من داخل الجدران التي يفترض أنها الحامية للتراث المصري، وبالرغم إلقاء القبض على المتهمين واستعادة جزء من العائدات المالية الناتجة عن الجريمة، إلا أن فقدان قطعة أثرية لا تقدر بثمن، وصهرها يعد خسارة كبيرة، والتحقيقات ما زالت جارية.