
تقرير: سلسبيل وليد
مقدمة
يُعد العنف ضد المرأة واحدًا من أخطر الانتهاكات لحقوق الإنسان وأكثرها انتشارًا، وهو حاضر بقوة في المجتمع المصري، حيث يترك آثارًا صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية بالغة، ورغم الجهود القانونية والمجتمعية خلال السنوات الأخيرة، ما زالت حالات العنف تتكرر بصورة مقلقة.
مفاهيم العنف وأنواعه
يقصد بالعنف ضد المرأة أو العنف المبني على النوع الاجتماعي، أي فعل يؤدي إلى ضرر بدني أو نفسي أو جنسي، أو يقيّد الحرية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتتعدد أشكاله لتشمل العنف الأسري، والعنف الجسدي والنفسي، والتحرش في الشوارع ووسائل النقل والجامعات ومواقع التواصل، أما النساء ذوات الإعاقة فيتعرضن لأشكال مضاعفة من الانتهاكات تجعل وضعهن أكثر هشاشة.

أرقام وإحصائيات
تكشف الدراسات أن نحو 31% من الزوجات المصريات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا، تعرضن لشكل من أشكال العنف من أزواجهن عام 2021، حيث جاء العنف النفسي في الصدارة بنسبة 22.2%، يليه العنف الجسدي بنسبة 25.5%.
أما النساء ذوات الإعاقة فالوضع أكثر قسوة، إذ أظهرت دراسة وطنية أن 48% منهن تعرضن للعنف منذ سن الخامسة عشرة، فيما بلغت النسبة بين المتزوجات منهن 61%، وفي أثناء جائحة كورونا تضاعفت الأزمة، حيث أشارت دراسة إلى أن 43.8% من النساء تعرضن للعنف، وكان العنف النفسي الأكثر انتشارًا.
بينما جاء العنف الجنسي في المرتبة الأخيرة، وعلى صعيد الفضاء العام، أظهرت دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن 82.6% من النساء يشعرن بعدم الأمان في الشوارع، و86.5% في وسائل النقل العام.

أبرز اسباب العنف والعوامل
تعود جذور الظاهرة إلى مزيج من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، حيث تسود مفاهيم تبرّر العنف تحت مسميات مثل “الخصوصية الأسرية” أو “سلطة الرجل”، كما أن الفقر والاعتماد الاقتصادي الكامل على الزوج يدفعان العديد من النساء إلى الصمت خشية فقدان مصدر العيش.
ويضاف إلى ذلك ضعف الوعي بالحقوق، والخوف من التبعات الاجتماعية، وغياب الثقة في قدرة القانون على إنصاف الضحايا، فضلًا عن بطء الإجراءات القضائية، ومع توسع استخدام التكنولوجيا، برز شكل جديد من الانتهاكات يتمثل في التحرش الإلكتروني والتشهير والابتزاز الرقمي.

التشريعات والسياسات
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة خطوات مهمة لمواجهة العنف ضد المرأة، حيث صدر في عام 2014 قانون يجرّم التحرش الجنسي بجميع أشكاله، كما تضمن الدستور مواد تلزم الدولة بحماية المرأة من الانتهاكات، كما أطلقت مبادرات مثل “المدن الآمنة”، بالتعاون مع هيئة.
وافتتحت عيادات “السيدات الآمنات”، التي توفر دعمًا صحيًا ونفسيًا وقانونيًا للناجيات، كان أبرزها افتتاح عيادة بجامعة حلوان عام 2024،كما ينظم المجلس القومي للمرأة حملات توعية وطنية، أبرزها حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف.
التحديات والقصور
رغم هذه الجهود، تظل التحديات كبيرة، حيث إن نسب الإبلاغ عن العنف لا تزال منخفضة بسبب الخوف من الوصم أو الانتقام، فضلًا عن ضعف الخدمات المقدمة للضحايا التي غالبًا ما تتركز في المدن الكبرى، كما أن البيروقراطية القانونية وبطء إجراءات التقاضي يمثلان عائقًا أمام حصول النساء على العدالة.
وفي المناطق الريفية والمهمشة يزداد الوضع سوءًا، بسبب ضعف الوعي وغياب الخدمات، بينما تواجه النساء ذوات الإعاقة تهميشًا مضاعفًا يفاقم من معاناتهن.

التوصيات
لمواجهة هذه التحديات، يبرز مطلب أساسي بسن قانون شامل لمكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة، يشمل الفضاءين العام والخاص وكذلك الإنترنت، مع إزالة العقبات الإجرائية التي تعطل التقاضي، كما أن تعزيز آليات الإبلاغ الآمنة والسرية، والتوسع في عيادات “السيدات الآمنات” في مختلف المحافظات.
وتكثيف حملات التوعية الموجهة إلى المجتمع بأسره، تعد خطوات أساسية للتغيير، إلى جانب ذلك، فإن تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للضحايا، وضمان حمايتهن من أي انتقام، يبقى ضرورة لا غنى عنها.
خاتمة
العنف ضد المرأة في مصر ليس مجرد قضية فردية أو شأنًا عائليًا، بل هو تحدي مجتمعي يعكس درجة التقدم والعدالة في المجتمع، ورغم الخطوات المهمة التي تحققت، فإن الطريق ما زال طويلاً ويتطلب تكاتف الدولة والمجتمع المدني والإعلام، بل والأسرة ذاتها، لضمان أن تعيش المرأة حياة آمنة وكريمة بلا خوف أو تمييز.